مايكال ركتينولد كتبه في موقع معهد ميزس
ترجمة و اضافة : محمد المشاري
أي نقاش حول ‘رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة Stakeholder Capitalism’ يجب أن يبدأ بمعرفة ما يناقضها: مثل ‘النيوليبرالية Neoliberalism عدوتها اللدود، رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة غير موجودة على هذا النحو . إذ لا يوجد نظام اقتصادي على شاكلة رأسمالية أصحاب المصلحة، كما لا يوجد نظام اقتصادي على شاكلة النيوليبرالية .
هذه التوائم المتناقضة هي أشباح خيالية تحرض على بعضها البعض في صراع لا نهاية له .
بدلاً من رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة و النيوليبرالية، هنالك مؤلفون يكتبون عن رأسمالية أصحاب المصلحة و النيوليبرالية، و شركات تؤيد بشكل أو بآخر وجهة النظر القائلة بأن الشركات عليها التزامات تجاه أصحاب المصلحة المشتركة بالإضافة إلى المساهمين . ولكن إذا كان لـ كلاوس شواب و ‘المنتدى الاقتصادي العالمي weforum.org’ طرقهم النظرية، فستكون هنالك للحكومات لوائح و تهديد بفرض الضرائب المرهقة تحثّ بواسطتها الشركات على الاشتراك في إعادة توزيع أصحاب المصلحة المشتركة .
ولكن من هم الـ Stakeholders أصحاب المصلحة المشتركة ؟
إنّهم يتكونون من ‘العملاء والموردين والموظفين والمجتمعات المحلية’، جنباً إلى جنب مع المساهمين .
لكن بالنسبة لـ كلاوس شواب والمنتدى الاقتصادي العالمي، فإنّه يجب عولمة إطار ‘رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة’ .
بمعنى آخر، أنّ صاحب المصلحة هو أي شخص أو أي مجموعة الأشخاص تستفيد أو تخسر من أي سلوك مؤسسي – بخلاف المنافسين .
مثلاً: بسبب الذريعة الأساسية لاعادة الضبط الكبرى هي تغيّر المناخ العالمي، فإنّ أيّ شخص يمكن أن يكون معتبراً من أصحاب المصلحة المشتركة .. و يمكن أن يكون معتبراً في حوكمة الشركات .. في أي شركة كبرى .
و حينها، يجب التخلي عن الشراكات الفيدرالية مع الشركات التي لا تخدم أصحاب المصلحة المشتركة، مثل مشروع Keystone Pipeline مثلاً .. كما سيتم إدخال “المساواة” العرقية، والترويج لأجندات المتحولين جنسياً، وغيرها من سياسات الهوية والسياسات، في خطط مشاركة الشركات .
اذا كان هناك شيء، فإن رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة هذه تمثل كائناً متطفلاً مستهلكاً تم وضعه لاختراق وتفريغ الشركات من الداخل، إلى الدرجة التي تجد فيها الأيديولوجية والتقاليد مُضيَّفين في الهيئات الاعتبارية . إنها تمثل وسيلة لتصفية الثروة الاشتراكية من داخل المنظمات الرأسمالية نفسها، باستخدام أي عدد من المعايير لإعادة توزيع الفوائد و ‘العوامل الخارجية’ [عوامل خارجية externalities: في أي نشاط صناعي أو تجاري، تكون هنالك أحياناً تكلفة أو منفعة يسببها المُنتج، لكن لا يتكبد بسببها أو يتلقّى بسببها مالاً مقابلاً، و يمكن أن تكون العوامل الخارجية إيجابية أو سلبية و يمكن أن تنبع من إنتاج أو استهلاك سلعة أو خدمة] .
لكن لا تأخذ هذا الكلام بشكل جدّي -والكلام لصاحب المقال- خذ مثلاً ديفيد كامبل، الاشتراكي البريطاني -بالرغم من كونه غير ماركسي- ومؤلف كتاب (فشل الماركسية عام 1996)، بعد إعلان فشل الماركسية، بدأ كامبل في الدعوة إلى رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة كوسيلة لتحقيق الغايات الاشتراكية ذاتها .
تمثل حجته مع الماركسي البريطاني الأرثوذكسي بادي إيرلند نزاعاً داخلياً عن: أفضل الوسائل لتحقيق الاشتراكية .
لقد كان كامبل ينتقد أيرلند لرفضه رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة . فـ أيرلند كان يعتقد بشكل خاطئ -كما يرى كامبل- أن رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة مستحيلة في النهاية، إذ ليس هنالك من شيء يمكن أن يتدخل لمدة طويلة مع طلب السوق الذي لا يرحم لأجل الربح .. و سوف تطغى قوى السوق حتماً على أي اعتبارات أخلاقية، مثل مصالح أصحاب المصلحة المشتركة .
تركت ماركسية أيرلند الأكثر تطرفاً كامبل في حيرة من أمره، أ فلمْ يدرك أيرلند أنّ حتمية السوق الخاصة به كانت بالضبط ما أكده المدافعون عن “النيوليبرالية” على أنها الوسيلة الوحيدة المؤكدة و الحتمية لتوزيع الرفاهية الاجتماعية ؟
كامبل أكّد بحقّ بأنّ :
“الماركسية يمكن تعريفها بالهزْء من ‘الإصلاح الاجتماعي’ على أنها لا تمثل الثورة، بل تعرقلها حتى!”
إن الاشتراكية ليست شيئاً إن لم تكن حركة يتم بموجبها استبدال (الضرورة الطبيعية المزعومة) التي تمثلها (الضرورات الاقتصادية) بقرارات سياسية واعية بشأن تخصيص الموارد .
يقترح كامبل بأن هذه النوع من الاشتراكية السياسيّة، مقابل عبارات ماركس الأرثوذكسية، هو ما قصده ماركس حقاً بالاشتراكية .. لذا يرى كامبل بأنّ رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة هي مجرد: اشتراكية .
اتفق أيرلند وكامبل على أن فكرة رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة نفسها مستمدة من الشركات التي أصبحت مستقلة نسبياً عن مساهميها .
تمت معالجة فكرة الاستقلال الإداري و بالتالي استقلالية الشركة أو الشركة لأول مرة من قبل هذه الأسماء :
أدولف بيرل و غاردنر مينز في (الشركات الكبرى الحديثة و الملكية الخاصة ١٩٣٢)
و من بعدهم جيمس ابراهام في (الثورة الإدارية ١٩٦٢) .
في كتابه:
Corporate Governance, Stakeholding, and the Company: Towards a Less Degenerate Capitalism
‘حوكمة الشركات الكبرى، الحصص، والشركة : نحو رأسمالية أقل انحطاطاً ؟’
يكتب أيرلند عن هذا الاستقلال الذاتي المفترض:
“إن فكرة الشركة المساهمة متجذرة في استقلالية الشركة عن مساهميها، زعمه أن هذا الاستقلال الذاتي .. يمكن استغلاله للتأكد من أن الشركات لا تعمل حصرياً مع مراعاة مصالح مساهميها”
يجادل أيرلند بأن هذا الاستقلالية الظاهرة للشركة لم تأتِ من التأسيس أو التغييرات القانونية في هيكل الشركة، بل من نمو الرأسمالية الصناعية على نطاق واسع . أدّى هذا النمو في العدد الهائل للأسهم و معه ظهور سوق الأوراق المالية إلى إمكانية بيع السهم بسهولة . أصبحت الأسهم ‘رأس مال نقدي’، يمكن استبدالها بسهولة بنسبة مئوية من الأرباح، وليست مطالبات على أصول الشركة . في هذه المرحلة، اكتسبت الأسهم استقلالية واضحة عن الشركة و الشركة عن مساهميها .
فضلاً عن ذلك فإنه مع ظهور هذا السوق ، طورت الأسهم قيمة مستقلة خاصة بها مستقلة تماماً، و غالباً ما تكون مختلفة عن قيمة أصول الشركة . نشأَ ‘رأس مال وهمي fictitious capital’ كما سمّاه ماركس، وأعيد تعريفه في القانون كشكل مستقل من الملكية المستقلة عن أصول الشركة . لم يعد يتم تصور ذلك على أنها مصالح عادلة في ممتلكات الشركة، بل باعتبارها حقوق ربح ذات قيمة خاصة بها، حقوق يمكن شراؤها و بيعها بحرية و سهولة في السوق ..
عند حصولها على استقلالها عن أصول الشركات، ظهرت الأسهم كأشياء قانونية في حد ذاتها، حيث ضاعفت على ما يبدو رأس مال الشركات المساهمة . أصبحت الأصول الآن مملوكة للشركة والشركة وحدها، إما من خلال شركة، أو في حالة كون الشركات غير المسجلة، فمن خلال الأمناء . من ناحية أخرى، أصبح رأس مال الشركة غير الملموس ملكية حصرية للمساهم . لقد تحوّلا الآن إلى شكلين منفصلين تماماً للملكية . فضلاً عن ذلك، و مع العرف القانوني للسهم كشكل مستقل تماماً للملكية، تم الانتهاء من إخراج المساهم من الشركة بطريقة لم تكن ممكنة من قبل .
وهكذا، وفقا لأيرلند، ظهر اختلاف في المصالح بين مالكي رأس المال الصناعي و أصحاب رأس المال النقدي، أو بين الشركة و المساهمين .
ومع ذلك، يؤكد أيرلند أن استقلالية الشركة محددة بضرورة أن يحقق رأس المال الصناعي ربحاً، و يتم تحديد قيمة الأسهم في النهاية من خلال ربحية أصول الشركة المستخدمة، يقول :
“إن الشركة ستظل دائماً تجسيداً لرأس المال الصناعي، وعلى هذا النحو، تخضع لمتطلبات الربحية و التراكم . و هذه ليس أمراً مفروضاً من الخارج على كيان محايد بلا اتجاه، بل متأصل فيه، و يقع في صميمها “.
يجادل بادي أيرلند أن هذه الضرورة تحدد حدود رأسمالية أصحاب المصلحة وعدم قدرتها على الحفاظ على نفسها:
“إن طبيعة الشركة، لذلك، تشير إلى أن هناك حدود صارمة إلى المدى الذي تكون استقلاليتها عن المساهمين تُستغل لصالح العاملون أو بالطبع لأصحاب المصلحة المشتركة الآخرين”.
هذه نقطة كان من الممكن أن يوافق عليها الاقتصادي النيوليبرالي ميلتون فريدمان و الماركسي بادي أيرلند، على الرغم من إصرار أيرلند على أن استخراج ‘فائض القيمة’ عند نقطة الإنتاج هو السبب . [فائض القيمة suplus value : و هي فكرة كتب عنها ماركس، وملخصها أن الجهد الزائد المبذول من قبل العمّال المميزين، يمكن أن ينتج فائضاً مالياً يفوق بكثير ما يتقاضوه من أجور، و هذا الجهد وفقاً لماركس يجب أن يعاد توزيعه ليشمل هؤلاء العمّال] . و هذا الاتفاق بين فريدمان و أيرلند هو بالضبط سبب رفض كامبل حجة إيرلند .
كما أكّد كامبل بأنّ حتمية السوق هذه تكون ضرورية فقط في ظل الرأسمالية . و أنّ التنبؤات حول كيفية سلوك الشركات في سياق الأسواق ستكون صالحة فقط في ظل ظروف السوق الحالية .
إنّ تغيير قواعد الشركة بحيث تتعرض ‘الربحية profitability’ للخطر، وإن كان ذلك، من الداخل إلى الخارج، فإنّه هو تعريف الاشتراكية ذاته . إن تغيير الطريقة التي تتصرف بها الشركات في اتجاه رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة هو أمر ثوري في حد ذاته .
على الرغم من هذا المأزق النيوليبرالي – الماركسي الذي لا يمكن التغلب عليه، فإن فكرة رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة عمرها خمسون عاماً على الأقل .
تعود النقاشات حول فعالية رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة إلى الثمانينات، إذ أثارهم رفض فريدمان ‘الشركة الكبرى الحنونة soul full corporation’، و التي وصلت إلى ذروتها مع “الأهمية الاجتماعية للشركة الحديثة” لـ كارل كايسن في عام 1957 . اعتبر كايسن الشركة كمؤسسة اجتماعية يجب أن توازن بين الربحية و ما بين مجموعة واسعة و متنامية من المسؤوليات الاجتماعية، يقول :
“لا يوجد أي إظهار للجشع أو الاستيعاب؛ لا توجد محاولة لدفع العمال أو المجتمع إلى جزء كبير من التكاليف الاجتماعية للمشروع . الشركة الحديثة هي شركة حنونة .”8
وهكذا، في رأي كايسن، نرى تلميحات لمفهوم لاحق لرأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة .
على الأرجح، يمكن تتبَع رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة، وإن لم تكن في خط متتابع غير منقطع، إلى ‘commercial idealism المثالية التجارية’ . في أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين، عندما تصور إدوارد بيلامي و كينغ كامب جيليت، من بين آخرين، يوتوبيا اشتراكية مؤسسيّة عن طريق التأسيس . بالنسبة لمثل هؤلاء الاشتراكيين، كانت الوسيلة الرئيسية لتأسيس الاشتراكية من خلال الدمج المستمر لجميع عوامل الإنتاج. مع التأسيس، ستحدث سلسلة من عمليات الاندماج و الاستحواذ حتى اكتمال تشكيل احتكار عالمي واحد، حيث يكون لكل ‘الشعب’ حصص متساوية .
أعلن جيليت في كتابه ‘المؤسسة العالمية world corporation’ أنّ :
“العقل المتدرب للأعمال والتمويل لا يرى مكاناً لاستيعاب الشركات و نموها، باستثناء الاستيعاب النهائي لجميع الأصول المادية في العالم في هيئة اعتبارية واحدة، تحت السيطرة التوجيهية لشركة واحدة . إن مثل هذا الاحتكار العالمي الفريد سيصبح اشتراكياً عند التوزيع المتساوي للحصص بين السكان . لا ترقى رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة إلى هذا التوزيع المتساوي للأسهم، لكنّها تلتف حوله من خلال توزيع القيمة بواسطة الضغط الاجتماعي و السياسي .”
ومن المثير للاهتمام، أن الاشتراكي البريطاني كامبل أنهى حجته بشكل غير دوغماتي، بالقول بشكل لا لبس فيه أنه إذا كان فريدمان على حق و : “إذا كانت هذه المقارنات بين رأسمالية المساهمين وأصحاب المصلحة المشتركة- تميل إلى إظهار تعظيم حصري لقيمة المساهم ليكون الطريقة المثلى لتحقيق أقصى قدر من الرفاهية”، ثم : ‘يجب على المرء أن يتخلى عن كونه اشتراكياً’، إذا كان تعظيم الرفاهية الإنسانية هو الهدف حقاً، وثبت أن ‘رأسمالية المساهمين shareholders capitalism أو النيوليبرالية Neoliberalism’ هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك، فإن الاشتراكية نفسها، بما في ذلك رأسمالية أصحاب المصلحة المشتركة، يجب التخلي عنها بالضرورة .
المقال الاصلي : https://mises.org/wire/great-reset-part-iv-stakeholder-capitalism-vs-neoliberalism