اليمين كفلسفة: كي نفهم الإنسان وهويته كـ فرد من مجتمع، لا نملك سوى العودة إلى التاريخ والثقافات المدوّنة بشتّى أشكالها ـ صروح، ألواح، كتب، منحوتات، طقوس و فنون ـ وطبعاً ما بحثنا في أصله منهجيًا في آخر قرون مضت، ثم نقارن كل ذلك مع الحاضر. 

ما يتمخّض عن هذه القراءات هو أنك تبدأ باستخلاص صفات اجتماعية عند الإنسان وترتيبات اجتماعية وسياسية تتكرر في التاريخ عند أكثر من مجتمع مزدهر ولم تتأثر بالتقنية المعاصرة و لا بالأدلجة القسرية.

بعضها لو اجتمع، مهّد لنشوء حضارة، ولو تناثر أو نقص، قاد بها إلى الهاوية والفوضى. منها الاعتزاز بالأرض و الأهل [عائلة/قومية]، القوة العسكرية، الرمزية/الهرمية [الإله ـ الملك ـ الشعب]، مكانة العائلة كـ كينونة للمجتمع، الرفاهية الاقتصادية، التدوين، ميمات [طقوس/تقاليد] ثقافية تمرر حِكم و خلاصة تجربة الأجيال السابقة إلى اللاحقة، تنمية الزراعة و التدجين و السيطرة على مصادر الطاقة، خصوصًا لو كانت الجغرافية بشكل عام مناسبة أيضًا. هذه العوامل لو توفرت في منطقة ما، فهنالك احتمالية كبيرة بأن تبزغ في أرضها حضارة ما. 

هذه الصفات، إيجابية كانت أو سلبية، تبلورت مع تطوّر حياة الإنسان الاجتماعية والبيئية بشكل عام وصارت تتوافق مع طبيعته وربما هي انعكاس لها أصلًا. صفات ربما نتجت عن تراكم ملايين السنين من التجارب وفي مختلف الظروف. والطبيعي يفهم هذه الديناميكيات التي تفوقه زمنيًا وواقعيًا.

من الحكمة أن لا يحاول الإنسان المعاصر محوها بأيديولوجيات مثالية من باب الحداثة، وهذه هي القيم والتقاليد التي نريد الدفاع أو التنقيب عنها بين أطلال حضارات الماضي في مناطقنا. 

 ما يميّز اليمين كفلسفة سياسية أنه يفهم الفرد كحلقة وصل بين أجيال، لا كفرد أنوي يدور حول خط استواء مزاجه ومصالحه ومهتم بشكل مفرط بحرّياته. كما أن اليمين يتبنّى حزمة من الرؤى الفلسفية السياسية وأصول الحياة الاجتماعية التي لا يمكن اختزالها في تيار أو حزب ما.

اليمين كفلسفة سياسية لا يهتم للتسميات سواء كانت مملكة، سلطنة أو إمبراطورية [الكثير يخاف من الكلمة الأخيرة، لكنهم عندما يتغنّون بمجد الحضارات الماضية لا يترددون في ذكر الإمبراطوريات التي كتبت التاريخ، صنعت الحضارة وحكمت لمئات السنين]، وعدم الاهتمام للتسميات هو لأنها [مجددًا: كفلسفة] تنظّر لمقوّمات جوهرية لازمة قبل أن تنهض بأي دولة رصينة.

هذه المقوّمات تحاول التوفيق بين طبيعة الإنسان وسلوكه الاجتماعي من جهة وبين العوامل اللازمة لتأسيس دولة ذات اقتصاد نشيط، أمن مستقر وحرية نسبية من جهة أخرى. وأي نظام يحافظ على الهرمية و يجيد التوفيق بين العلاقة التي ذكرتها آنفًا، هو نظام نفضّله و نميل إليه.

إن كان ذلك يعني العودة للملكية؟ نعم، لما لا؟ 

أو استتباب نظام سميّه ما شئت، لا يقع في فخ المساواتية ويعطي للأكفّاء والمتخصصين دورهم في رسم مستقبل الدولة ويحافظ على علاقة متوازنة بين الفرد والمجتمع ولا يفضّل طرف على آخر. 

لذلك، الحل بسيط: وسّع أفق طيفك السياسي، ثم راجع التاريخ وتجارب البشر [هنا أقصد أن تقرأ، الكثير!] في تشييد مؤسسات الدول وقارن بين تلك التي احتضنت الحضارة و بين ثقافتها المحلّية.

سيف البصري