وجوب فشـــــــــــل الاشْتِراكِيَّة
هانز هيرمان هوبه – ٢٠١٩/٧/٨
ترجمة: بهـــــــــاء محمد نوري
تقدم الاشْتِراكِيَّة والرأسمالية حلولاً مختلفة جذرياً لمشكلة النُدْرَة: لا يمكن لأيْ شخص الحصول على كل ما يشتهي أنى اشتها، فكيف إذن يمكننا أن نقرر بشكل فَعّال من الذي سيملك الموارد التي لدينا ويتصرف بها؟ الحل المختار له آثار بَلِيغة. يمكن أن يعني الفرق بين الازدهار والإفْقار، التبادل الطوعي والإكراه السياسي، وحتى بين الشمولية والحرية.

يحل النظام الرأسمالي مشكلة النُدْرَة من خلال الاعتراف بحق المِلْكِيَّة الخاصة. أول من يستخدم السلعة هو صاحبها. يمكن للآخرين الحصول عليها فقط من خلال العقود التجارية والطوعية. ولكن حتى يقرر مالك المِلْكِيَّة إبرام عقد للمتاجرة في ممتلكاته، يمكنه أن يفعل ما يشاء بها، طالما أنه لا يتدخل في الممتلكات المملوكة للآخرين أو يتعدى عليها بالضرر.
بينما يحاول النظام الاشْتِراكِي حل مشكلة المِلْكِيَّة بطريقة مختلفة تماماً. كما هو الحال في الرأسمالية، يمكن للناس امتلاك منتجات استهلاكية. ولكن في الاشْتِراكِيَّة، المِلْكِيَّة التي تستخدم كوسيلة للإنتاج هي المِلْكِيَّة جماعية. لا يمكن لأيْ شخص امتلاك الآلات والموارد الأخرى التي تتضمن في إنتاج السِلَع الاستهلاكية. البشر، إذا جاز التعبير، يمتلكونها. إذا استخدم الناس وسائل الإنتاج، فلا يمكنهم القيام بذلك إلا كأمناء على المجتمع بأكملِهِ.
يضمن القانون الاقتصادي أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية الضارة ستتبع دائماً تأميم وسائل الإنتاج. وستتوسم التجربة الاشْتِراكِيَّة بالفشل أبدا.
أولاً، تؤدي الاشْتِراكِيَّة إلى استثمار أقل، وادخار أقل، ومستوى معيشي متدني. عندما تُفْرَض الاشْتِراكِيَّة في البدء، يجب إعادة توزيع المِلْكِيَّة. يتم أخذ وسائل الإنتاج من المستخدمين والمنتجين الحاليين وتعطى للأمناء على المجتمع. على الرغم من أن مالكي ومستخدمي وسائل الإنتاج حصلوا عليها من خلال الموافقة المتبادلة من المستخدمين السابقين، إلا أنها تُنْقَل إلى أشخاص أصبحوا، في أفضل الأحوال، مستخدمين ومنتجين لأشياء لم يمتلكوها سَلَفَاً.
بموجب هذا النظام، يعاقب المالكون السابقون لصالح المالكين الجدد. يتم تفضيل غير المستخدمين وغير المنتجين وغير المتعاقدين لوسائل الإنتاج من خلال ترقيتهم إلى رتبة أمين على مِلْكِيَّة لم يسبق لهم استخدامها أو إنتاجها أو التعاقد على استخدامها. وبالتالي يرتفع دخل غير المستخدمين وغير المنتجين وغير المتعاقدين. والأمر يتماثل بالنسبة لغير المدخرين الذين ينتفعون على حساب المدخرين الذين تتم مصادرة الممتلكات المحفوظة منهم.
من الواضح، إذن، أنه إذا كانت الاشْتِراكِيَّة تفضل غير المستخدمين وغير المنتجين وغير المتعاقدين وغير المدخرين، فإنها ترفع التكاليف التي يجب أن يتحملها المستخدمون والمنتجون والمتقاعدون والمدخرون. من السهل معرفة سبب انخفاض عدد الأشخاص في هذه الأدوار الأخيرة. سيكون هناك تخصيص أولي أقل للموارد الطبيعية، وإنتاج أقل لعوامل الإنتاج الجديدة، وتعاقد أقل. وسيكون هناك استعداد أقل للمستقبل لأن منابيع الاستثمار لدى الجميع تجف. سيكون هناك ادخار أقل واستهلاك أكثر، وعمل أقل وراحَة أكثر.
وهذا يعني عدداً أقل من السلع الاستهلاكية المتاحة للتبادل، مما يُقَلَّل من مستوى معيشة الجميع. إذا كان الناس على استعداد للمخاطرة، فسيتعين عليهم تَجَوَّل باطن الأرض للتعويض عن هذه الخسائر.
ثانياً، تؤدي الاشْتِراكِيَّة إلى انعدام الكفاءة ونقص وتبذير هائل. هذه هي نظرة لودفيغ فون ميزس الذي اكتشف أن الحساب الاقتصادي العقلاني مستحيل في ظل الاشْتِراكِيَّة. وأوضح أن السلع الرأسمالية في ظل الاشْتِراكِيَّة تُستخدم في أحسن الأحوال في إنتاج احتياجات من الدرجة الثانية، وفي أسوأ الأحوال، في إنتاج لا يلبي أيْ احتياجات على الإطلاق.
إن نظرة ميزس بسيطة ولكنها مهمة للغاية: لأنه لا يمكن بيع وسائل الإنتاج في ظل الاشْتِراكِيَّة، فلا توجد أسعار سوقية لها. لا يمكن للراعي الاشْتِراكِي تحديد التكاليف المالية المترتبة على استخدام الموارد أو في إجراء تعديلات على مسار عمليات الإنتاج. ولا يمكنه مقارنة هذه التكاليف بالدخل النقدي من المبيعات. لا يُسمح له بأخذ عروض من الآخرين الذين يرغبون في استخدام وسائل إنتاجه، لذلك لا يمكنه كُنْه فرصه الضائعة. فمن دون معرفة الفرص الضائعة، لا يمكنه معرفة تكاليفه. ولا يمكنه حتى معرفة ما إذا كانت الطريقة التي ينتج بِها فَعّالة أم لا، مرغوبة أم لا، عقلانية أم لا. ولا يمكنه معرفة ما إذا كان يلبي احتياجات أقل أم أكثر إلحاحاً للمستهلكين.
في الرأسمالية، توفر أسعار النقود والأسواق الحرة هذه المعلومات للمُنْتِج. لكن في الاشْتِراكِيَّة، لا توجد أسعار للسلع الرأسمالية ولا فرص للتبادل. الراعي متروك في العتمة. ولأنه لا يسعه معرفة حالة استراتيجيته الحالية للإنتاج، لا يمكنه معرفة كيف يُحَسّنها. وكلما قل عدد المنتجين القادرين على الحساب والانخراط في التحسن، زاد احتمال حدوث مخلفات ونقص. في اقتصاد حيث السوق الاستهلاكية لمنتجاته كبيرة جداً، تكون معضلة المُنْتِج أسوأ. ولا حاجة للإشارة إلى أنه: عندما لا يكون هناك حساب اقتصادي عقلاني، سيغرق المجتمع في حالة فقر متفاقم تدريجياً.
ثالثاً، تؤدي الاشْتِراكِيَّة إلى الإفراط في استخدام عوامل الإنتاج حتى تتدهور وتصبح مُخَرّبة. يحق للمالك الخاص في ظل الرأسمالية أن يبيع عامل إنتاجه في أيْ وقت والحفاظ على الإيرادات المتأتية من البيع. ولذا فمن مصلحته تجنب تخفيض قيمته الرأسمالية. ولأنه يمتلكها، فإن هدفه هو تعظيم قيمة العامل المسؤول عن إنتاج السلع والخدمات التي يبيعها.
بينما حال الوصي الاشْتِراكِي مختلف تماماً. لا يمكنه بيع عامل إنتاجه الخاص، لذا ليس لديه حافز كبير أو لا يملك أيْ باعِث لضمان احتفاظه بقيمته. وبدلاً من ذلك، سيكون حافزه هو زيادة ناتج عامل إنتاجه بغض النظر عن قيمته المتضائلة. وهناك أيضاً احتمال أنه إذا أدرك الوصي فرصاً لاستخدام وسائل الإنتاج لأغراض خاصة – كصنع سلع للسوق السوداء – فسَيتشجع على زيادة الانتاج على حساب القيم الرأسمالية. بغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إليها، في ظل الاشْتِراكِيَّة دون مِلْكِيَّة خاصة وأسواق حرة، يميل المنتجون إلى استهلاك قيم رأس المال من خلال الإفراط في استخدامها. واستهلاك رأس المال يقود إلى الفقر.
رابعاً، تؤدي الاشْتِراكِيَّة إلى انخفاض جودة السلع والخدمات المتاحة للمستهلك. في ظل الرأسمالية، لا يمكن لرجل أعمال فردي الحفاظ على شركته وتوسيعها إلا إذا استرد تكاليف إنتاجه. وبما أن الطلب على منتجات الشركة يعتمد على تقييمات المستهلكين للسعر والجودة (السعر هو أحد معايير الجودة)، يجب أن تكون جودة المنتج مبعث قلق دائم للمنتجين. هذا ممكن فقط بوجود مِلْكِيَّة خاصة وتبادل سوقي.
الأمور تختلف كُليَّاً في ظل الاشْتِراكِيَّة. ليست وسائل الإنتاج مملوكة بشكل جماعي فحسب، بل أيضاً الدخل المستمد من بيع الناتج. وهذه طريقة أخرى للقول إن دخل المُنْتِج لا صلة له بتقييم المستهلك لعمل المُنْتِج. وهذه الحقيقة، بالطبع، معروفة لكل مُنْتِج.
ليس للمُنْتِج باعث كي يبذل جهد خاص لتحسين جودة منتجه. وبدلاً من ذلك سيكرس وقتاً وجهداً أقل نسبياً لإنتاج ما يريده المستهلكون ويقضي وقتاً أطول في فعل ما يريد. الاشْتِراكِيَّة نظام يُحَرِض المُنْتِج على الكسل.
خامساً، تؤدي الاشْتِراكِيَّة إلى تَسْيِيس المجتمع. وهو اسوأ نازلة بإنتاج الثروة. تقول الاشْتِراكِيَّة، على الأقل بنسختها الماركسية، أن هدفها هو المساواة الكاملة. يلاحظ الماركسيون أنه بمجرد السماح بالمِلْكِيَّة الخاصة في وسائل الإنتاج، فإنك تسمح بالتَفَاوَت. إذا كنت أملك المورد أ، فأنت لا تملكه وتصبح علاقتنا تجاه المورد أ مختلفة وغير متساوية. يقول الماركسيون من خلال إلغاء المِلْكِيَّة الخاصة في وسائل الإنتاج بضربة واحدة، يصبح الجميع مشاركين في مِلْكِيَّة كل شيء. هذا يعكس مكانة الجميع المتساوية كبشر.
الواقع يختلف كثيراً. إن إعلان كل شخص مالكاً مشتركاً لكل شيء يحل اختلافات المِلْكِيَّة بشكل رمزي فقط. لا يحل المشكلة الأساسية الحقيقية: لا تزال هناك اختلافات في القدرة على التحكم فيّما يتم عمله بالموارد.
في ظل الرأسمالية، يمكن للشخص الذي يملك مورداً ان يتحكم فيّما يتم استخدامه أيضاً. في الاقتصاد المؤمم، لا يوجد هذا الشيء لأنه لم يعد هناك مالك. مع ذلك تبقى مشكلة السيطرة. من سيقرر ما يجب فعله بماذا؟ في ظل الاشْتِراكِيَّة، هناك طريقة واحدة فقط: يقوم الناس بتسوية خلافاتهم حول السيطرة على المِلْكِيَّة من خلال فرض إرادة على أخرى. وطالما كانت هناك خلافات، فسوف يقوم الناس بتسويتها بالوسائل السياسية.
إذا كان يريد الأشخاص تحسين دخلهم في ظل الاشْتِراكِيَّة، فعليهم أن يرتقوا مرتقى ذي قيمة عالية في التسلسل الهرمي للأمناء. وهذا يتطلب مواهب سياسية. في ظل نظام كهذا، سيضطر الناس إلى قضاء وقت وجهد أقل لتطوير مهاراتهم الإنتاجية ووقت وجهد أكثر لتحسين مواهبهم السياسية.
مع تحويل الناس لأدوارهم كمنتجين ومستخدمين للموارد، نجد أن شخصياتهم تتغير. لم يعودوا يهَذّبون قدرتهم على توقع حالات النُدْرَة، اغتنام الفرص الإنتاجية، الوعي بالإمكانيات التكنولوجية، توقع التغيرات في طلب المستهلكين، وتطوير استراتيجيات التسويق. لم يعد عليهم أن يكونوا قادرين على الاستهلال والعمل والاستجابة لاحتياجات الآخرين.
وبدلاً من ذلك، يطور الناس القدرة على حَشَد الدعم العام لموقفهم ورأيهم الخاص من خلال وسائل الإقناع، والديماغوجية، والمؤامرات، ومن خلال الوعود والرشاوى والتهديدات. يرتقي أُناس مُتَفَاوِتين إلى القمة في ظل الاشْتِراكِيَّة من الرأسمالية. كلما ارتفع مستوى التسلسل الهرمي الاشْتِراكِي الذي تنظر إليه، كلما وجدت أشخاصاً غير أكفاء بالمرة للقيام بالمهمة التي يُفْتَرَض أن يؤدوها. لا عائق في مهنة الوصي السياسي أن كان غبياً، بطيئاً، غير كفؤ، وغير مكترث. كل ما يحتاجه هو مهارات سياسية متفوقة فقط. وهذا يقود إلى إفْقار المجتمع.
إن الولايات المتحدة ليست مُأممة بالكامل، لكننا نرى بالفعل الآثار الكارثية لمجتمع مسيّس حيث يواصل سياسيونا التعدي على حقوق أصحاب المِلْكِيَّة الخاصة. جميع آثار الاشْتِراكِيَّة المُفْقِرة معنا في الولايات المتحدة: انخفاض مستويات الاستثمار والادخار، سوء تخصيص الموارد، الاستخدام المفرط وتخريب عوامل الإنتاج، والجودة الرديئة للمنتجات والخدمات. وهذه ليست سوى مقبلات لحياة في ظل الاشْتِراكِيَّة الكاملة.
*مُقْتَطَف من كتاب مُطالِع السوق الحرة (The Free Market Reader).