سبع خصال ينبغي للبلد أن يتصف بها

مايكل أنيسيموف | ترجمة: حيدر عبدالواحد راشد

كلمة «country» (بلد) مشتقة من اللاتينية contrata أي «الأرض المقابلة للناظر»، بمعنى الأرض التي تبرز أمام الناظر بنحو مستقل عن المشهد الأوسع. وهذا التأصيل اللغوي يوضح لنا فكرة البلد بوصفه مساحة منفصلة من الأرض لها ميزاتها وشعبها الخاص. واليوم تستخدم كلمة (بلد) بالتبادل مع كلمة (أمة)، التي تعني كيانا جيوسياسيا ذا سيادة.

البلدان تروح وتجيء: ففي أوربا الشرقية مثلا، كانت الحدود تتغير طوال مئات السنين. وفي عصر ما بعد الثورة الفرنسية، قلما يبقى البلد مئة عام من دون ثورة أو تغير في الحكم. ولهذا يجدر أن نتأمل في خصال البلدان الصحية عموما، بدلا من التركيز على أي فترة تاريخية أو منطقة جغرافية محددة، إذ قد يقود ذلك للتحيز للوضع القائم. فيمكن للعوامل التقنية، السياسية، والديمغرافية أن تجتمع في المستقبل القريب لتكوين بلدان جديدة، مما يجعل الصفات النافعة للدول بقولٍ أعمّ مهمة في المستقبليات وبناء الدول.

إليك، دون ترتيب محدد، بعض الخصال المحمودة في البلاد وحكومتها التي تخطر على البال:

1.    اقتصاد قوي

بنحو مثالي، يفترض أن تمتلك البلاد اقتصادا نشطا يمتاز بتنوعه، يلبي الحاجات الأساسية، يجذب المستثمرين الأجانب، يحافظ على توظيف مرتفع، يوفر متوسط أجور حقيقي ومجزي، يحتفظ بحد أدنى من الدين العام، وقطاع تقني متقدم. وإن تسببت المطالب المتغيرة للاقتصاد العولمي بفصل الناس من العمل، فينبغي الاحتفاظ بهم. فالاقتصاد القوي يعني امتلاك أصول ملموسة، وليس الكثير من «الموارد» على شكل أدوات مالية متشابكة وطباعة للنقود. ومن الأمثلة المعاصرة على بلدان ذات اقتصاد قوي: سويسرا وسنغافورة. لقد أشار غاريت جونز، وهو اقتصادي في جامعة جورج ميسون، إلى الأهمية الشديدة لمتوسط الذكاء الوطني في الناتج الوطني الإجمالي. ولعل متوسط ذكاء «الشطر الذكي» يلعب دورا أكبر من ذلك. ولكل من متوسط ذكاء السكان الإجمالي ونسبة السكان التي تفوق حد الشطر الذكي (أي 108 IQ) دور في الأداء الاقتصادي للأمة.

2.    جيش قوي وتحالفات سياسية

إن الأساس الذي يسمح للبلاد بالوجود هو جيشها. فمن دونه لا يمكنها تأكيد مصالحها الاقتصادية والسياسية في وجه بلدان أخرى، شركات وطنية وعالمية، أفراد متنفذين، وما شاكل. والهدف من امتلاك جيش قوي هو عدم الحاجة لاستعماله. فرغم الرؤية الولسونية الساذجة عن الجيوسياسة كمجموعة من الكيانات ذات السيادة التي تتفاعل وفق القواعد الدولية المنظمة حصرا، فإنها أشبه بروضة أطفال منها بقاعة محكمة، حيث تحتاج البلاد للقوة العسكرية لتجنب تعرضها للتهديد في الداخل والخارج. يختلف امتلاك جيش قوي عن نزعة العسكرة، التي تجعل من الجيش محط تركيز الدولة، أو التدخلية، التي تتضمن التدخل في الصراعات الأجنبية كأمر واقع.

3.    جريمة منخفضة

هل تشعر بالأمان وأنت تترك رفيقتك، زوجتك، أو ابنتك تتجول في الحي؟ في البلدة التي نشأت فيها أحس بالأمان، أما حيث أقيم الآن فلا. في المملكة المتحدة، قالت 95% من النساء في استبيان أنهن لا يشعرن بالأمان وهن يتجولن بمفردهن في الليل، و65% لم يشعرن بالأمان في النهار. وتتعرض 70.000 امرأة على الأقل للاغتصاب سنويا في المملكة المتحدة، و80.000 في الولايات المتحدة. وقد تصاعد الاغتصاب بنسبة 53% في الأعوام الأربعة الأخيرة بمفردها. ومع أن الجرائم العنيفة قد تناقصت إجمالا عن أقصى قيمة لها في 1992، فهي لا تزال أعلى بكثير مما لدى المجتمعات والبلدان التقليدية. ففي النمسا، يشعر 22% فقط من الناس (بما فيهم الرجال) بعدم الأمان وهم يتجولون ليلا. ومع أن متوسط الإحصائيات في الولايات المتحدة، فنحن نشهد تباعدا واسعا في الأمان بين الحواضر والضواحي/ الأرياف.

4.    قيادة قوية

من دون قيادة قوية، ستبذل حكومة البلاد قدرا هائلا من المال والوقت في النزاع الداخلي. وحين تنجرّ إليها قطاعات هائلة من الشعب، يستحيل الأمر إلى حرب أهلية واطئة الحدة. ثم ينهار ذلك إلى التزلف لأوطأ ما في المجتمع، الذين ستحرك أهواؤهم الجاهلة من ثم مسار البلاد. وهذا الوضع يذكرنا بقادة ضعفاء مثل نابليون الثالث، الذي لم يكن قادرا على توجيه قرار من دون استشارة الرأي العام. والقائد الذي يتبع الجموع في كل قراراته ليس بقائد على الإطلاق. إن الهدف الأصلي من القيادة هو تحقيق جودة للقرارات والمبادرة تتفوق على مستوى الجموع، وذلك ينطبق على أي منظمة: فالهدف من وجود مدير تنفيذي ليس أن يكون روبوتا عديم الوعي يوفّق بين تفضيلات الموظفين.

5.    هوية جيوسياسية

إن بلدا معينا يحتاج إلى بقعة معينة من الأرض كي ينسبها لنفسه، وإلى حدود تفصلها عن البلدان الأخرى. وإلا فستكون أشبه بأرض مهجورة يمكن لأي أحد أن يحتلها لا ببلد مستقل. على البلد أن يتحمل المسؤولية عن أرضه والشعب التي يحيا عليها، ولفعل ذلك فهو يحتاج لبقعة معرّفة من الأرض عليها مجموعة معرّفة من الناس. في معظم التاريخ الحديث، كان ذلك يعدّ أمرا بديهيا، ولم يحدث حتى عهود قريبة جدا أن حصل أي تشوش في المسألة. فالبلد في حاجة إلى هوية جيوسياسية لتمييزه عن البلدان المجاورة، لتحديد مصالحه على الصعيد المحلي والدولي، لمنح مواطنيه شعورا بالتضامن والتكافل، ولتعريف مساحته لأغراض قانونية.

6.    مشاركة مدنية

إن ما يقف خلف الصحة الاجتماعية للأمة هو مشاركتها المدنية. وبهذا أعني المشاركة في نوادي رياضية أو روابط من أي نوع. لقد وجد روبرت بتنام، وهو بروفسور من هارفرد تم تكريمه مؤخرا، أن المشاركة المدنية في أميركا قد انخفضت لحوالي النصف منذ قمتها في الـ60ات. وقد أدت ظاهرة الانفصال هذه إلى ظهور هكيكوموري (شباب ذكور يلازمون منازلهم طوال اليوم)، ويرتبط هبوط الاعتداد بالنفس بمعدلات أعلى من الانتحار، وبرجال قلقين اجتماعيا يطالبون الحكومة بأن تدفع مالا للنساء كي يواعدنهم، بالضعف الاجتماعي والجسدي العام، وهكذا.

7.    هوية إثنية وثقافية

يتطلب الحفاظ على كل ما ذكر هويةً (أو هويات) إثنية وثقافية متجانسة بين المواطنين. فلو وجدت عدة هويات إثنية/ثقافية، ستحتاج إما لأن يندمج بعضها في بعض، تستقل وتمتلك خطوطا واضحة للتعامل، أو يفصل بينها إداريا. على سبيل المثال، فقد كانت لدى النمسا-هنغاريا عام 1910 وفرة من الجماعات الإثنية المختلفة، وقد منح الاستقلال السياسي لتلك الجماعات بنحو يعزلها عن سلطان الجماعات المعادية. وقد ثبت تجريبيا أن الجماعات العرقية المختلفة تتراخى في صنع القرارات لغيرها، ولها الحق في ذلك. واتباع هذه الخطوط العامة هو وصفة للاستقرار طويل الأمد. أما الشعوب ذات الثقافات المتضاربة التي تحتل نفس المنطقة ذات السيادة ويقنن بعضها أوضاع بعض، فستهوي في النهاية إلى الحرب الأهلية.

رأي واحد حول “سبع خصال ينبغي للبلد أن يتصف بها

أضف تعليق