ترجمة: نور الدين كمونة.
توماس جايكوب: استاذ هوبه, انت معروف بنقدك للدولة والمركزية السياسية. ألم يثبت فايروس الكورونا المستجد أن الدول والحكومات المركزية ضرورية للتنظيم والتعامل مع ازمات كهذه؟
هوبه: على العكس تماماً.
ما حدث حقيقةً هو ان العديد من الحكومات المركزية والمنظمات العالمية ( مثل الاتحاد الاوربي ومنظمة الصحة العالمية), حاولوا ان يستغلوا مسألة الوباء الفايروسي لمصلحتهم الخاصة, أي بمعنى لتوسيع نطاق سلطتهم على رعاياهم. اجراءات التعامل مع الوباء كانت مجرد تجربة حول الى أي مدى يمكن تذهب الحكومات في فرض سلطتها. وما حدث في الواقع كان نجاحاً باهراً, الى حد الاعتقال في المنازل, وهذا حقيقةً أمرٌ مرعب.
لكن ما اثبته لنا مجرى الامور, هو ان السلطات المركزية وقراراتهم اقل كفائة مما يتصور الكثيرون, واننا على العكس, بحاجة الى صناع قرار وقرارات أقل مركزية.
الخطر الصادر من الوباء لا يمكن ان يصيب كل مكان وكل شخص بنفس مستوى الخطورة. فالوضع في فرنسا مختلف عن ما هو عليه في المانيا او الكونجو, والظروف في الصين ليست نفسها تلك التي في اليابان. وكذلك في البلدان الاكثر تنوعاً, مستوى الخطر يختلف من منطقة الى اخرى ومن مدينة الى اخرى, اعتماداً على التوزيع الديموغرافي والتنوع الثقافي وطبيعة السكان.
علاوة على ذلك, هنالك طيف واسع من من التقييمات والمقترحات بخصوص ما يجب ومالا يجب يجب فعله وتجنبه في وجه هذا الوباء, وكلٌ من هذه المقترحات مقدم من قبل مختصين وخبراء. ولذلك فان اي اجراء مركزي وعلى مستوى دولة كاملة (دعك من على مستوى العالم) لابعاد الخطر, من خلال منهج وطريقة واحدة يتم تطبيقها في كل مكان, هو اجراء اعتباطي وغير مناسب ابداً.
في ضوء هذا الوضع, كان من الطبيعي ان نرى العديد من القادة والحكام المحليين يسارعون ليكونوا مساهمين في اجراءات مكافحة الوباء. فالخطر المحدق منحهم فرصة للتميز عن ممثلي الحكومة المركزية وتوسيع نطاق سلطتهم وقوتهم. فهم كثيراً ما تجاهلوا وتلاعبوا بالقرارات الصادرة من حكومات المركز بما يتناسب مع مناطقهم الخاصة. وخلال كل هذا ابقوا اعينهم على شاشات التلفاز والرأي العام, على أمل ان يكونوا مؤهلين ليصبحوا دكتاتوريين بسلطة مركزية, مبتدأين مشوارهم بكونهم دكتاتوريين بسلطة محلية.
عدم قابلية صناع قرار الدولة المركزية للاعتراف بان بعض القرارات غير المركزية ساهمت في تحسين الاوضاع, واهمالهم حقيقة ان التعامل بشكل مختلف مع مناطق مختلفة يسمح لنا بالتعلم من الاخطاء؛ خطآن ساهما في ان تكون النتيجة النهائية مروعة. فاجراءات الدولة فاشلة على كل الاصعدة وليس على مستوى الصحة العامة فقط. ففي الحقيقة ان الاحداث الحالية برهنت لنا, ان الدولة قتلت المواطنين او جعلتهم في حال صحي اسوأ من خلال اجراءاتهم الوقائية اكثر مما عالجت.
توماس جيكوب: هل السياسيون ببساطة هم اغبياء؟
هوبه: بالطبع, فالسياسيون كمجموعة لا يملكون المع العقول. و”عمل الخير” الذي يوحد هؤلاء السياسيين, أي بمعنى, ادعائهم بانهم يريدون مصلحة الناس او الانسانية اجمع وتحقيق السعادة والرفاهية من خلال افعالهم, يجب النظر اليه على انه ادعاء مشبوه ابتداءً. لكن السبب الحقيقي في فشل السياسة والسياسيين بشكل عام, وبتعالمهم مع الامراض المعدية بشكل خاص, يقع على مستوى اعمق وهو ذو طبيعية هيكلية.
فالسبب الهيكلي هذا, هو ان صناع القرارات والسياسات, سواء كانوا مركزيين او محليين, لا يملكون ما يخاطرون به عند صناعة قراراتهم وكتابة سياساتهم. فهم متحررون من عواقب القرارات الخاطئة وثمن الخسائر. فهم ليس عليهم ان يفكروا مطولاً بشأن عواقب وتبعات افعالهم, وبدلاً من ذلك يتخذون القرارات بشكل عشوائي وتلقائي, ذلك انهم غير معرضين لتلك التبعات. هذا هو السبب الحقيقي في كون الغباء وادعاء عمل الخير (وبالاخص عندما يكونان مع بعضهما) يمكن ان يشكلا خطراً ويروجان بشكل منهجي لانعدام المسؤولية والتخلي عنها, وللتصرفات الاعتباطية, وجنون العظمة.
لنعد الى الاجراءات بخصوص فايروس الكورونا كمثال.
مالذي يمنع احداً ما, وبوجه مرض معدٍ, من اتخاذ اجراءات صارمة كحظر التواصل والخروج من المنازل, والاعتقالات, واغلاق الشركات واماكن الانتاج والعمل و الخ… اذا لم يكن صاحب هذا القرار لا يملك ما يخسره (على الاقل بشكل مباشر) كنتيجة لقراراته؟
والجواب حقيقة هو ان صناع القرار او موظفي الخدمة المدنية او الحكومية, لا يتقاضون اجوراً نتيجة عمل منتج وحقيقي, وانما اجورهم تستقطع من الضرائب, ولذلك فهم محميون من الخسائر قصيرة ومتوسطة الامد.
لماذا يجب على اي احد ان يقلق بشأن تاثيرات افعاله وعلى مدى بعيد اذا لم يكن ممكناً محاسبته عليها بشكل مباشر؟
فكل ما على احدهم فعله لتبرير قراراته الجريئة والصارمة هو بأن يشير الى عدد قليل من الناس يفترض انهم تجنبوا اصابةً شديدة (او حتى الموت), رغم ان باقي افراد وشرائح المجتمع, صاروا ضحية ازمة اقتصادية وليدة تلك الاجراءات, وهؤلاء بالتالي يمكن ان يموتوا او يمرضوا بدورهم, ولو بشكل غير مباشر, نتيجة الازمة الاقتصادية.
في الحقيقة , في بادئ الامر يبدو على السياسيين بانهم لا يعلمون اطلاقاً (او لا يريدون ان يعلمون), بأن حسن النية وحده غير كافٍ وان اي عملية انقاذ, لا يمكن ان تكون بلا ثمن. عمليات الانقاذ هذه يتم تقديمها على انه لا بديل لها, فقط لانها يطلق عليها بـ ” عملية انقاذ”. ولكن حينما بدات الاعراض الجانبية لقراراتهم بالظهور, أكدوا للجميع بأنهم كان عليهم الاختيار مابين “الصحة” أو “الاقتصاد”, وعلى اعتبار انم فاعلوا الخير, فصحة وحياة الانسان اسبق واولى بالنسبة لهم من اي اعتبار اقتصادي.
بينما في الواقع لا شرخ او فاصل مابين الاقتصاد وصحة الانسان كما يدعون, فالاقتصاد المزدهر هو الاساس في الحفاظ على صحة الانسان. ولذلك, فالمناطق والناس الاكثر فقراً, هم الاكثر تأثراً باجراءات الحظر (بما في ذلك اعتباراتهم الصحية).
وفي الاخير عندما ظهرت اعراض الاجراءات الدراكونية, حتى الحجة الساذجة “ان كل هذا لانقاذ حياة الناس” لم تعد ذات معنى او اعتبار, والسياسيون بدوا بمظهر المنافقين بعدما كانوا يحاولون ان يكونوا ابطالاً؛ لكنهم اصروا ان كل تلك الخسائر سيتم تعويضها وان تعويضها مسألة وقت, وما هذه التاكيدات الا محاولة يائسة منهم ليكونوا منقذين مرة اخرى. فتمثلت جهودهم بشأن التعويضات من خلال زيادة العرض النقدي, أي انهم صنعوا اوراقاً نقدية من لا شيء, وبنفقة صفرية. اجراء مثل هذا لا يكلف السياسيين شيئاً بالتاكيد, لكنه في الحقيقة قد زاد من ثمن العرض النقدي, أي أن القوة الشرائية للعملة قد ضعفت؛ اما الديون المستقبلية فازدادت قيمتها وتم التستر عليها وتسديدها يُفرض على غيرهم (socialized).
هذا الاجراء كله يمكن تشبيهه بمن يفتعل حريقاً, ثم يعود مرتدياً زي رجل الاطفاء ليتم الاحتفاء به كمنقذ, الا انه في حالة الاجراءات الحكومية, فثمن البيت الذي تم حرقه يتم توزيعه على الناس بطريقة اشتراكية (socialized).
لكن الامر الاكثر رعباً بخصوص مسألة الكورونا, هو ان الحكومات امكنها ان تفلت بفعلتها الشنيعة هذه. بالطبع كان هناك بعض المقاومة لاجراءات الحظر, وكلما زادت فترة الحظر زادت المقاومة اتجاهه. لكن مع ذلك, فأغلب صناع القرار يتم النظر اليهم على انهم منقذين بدلاً من احتقارهم لكونهم مفتعلي حرائق.
والحكومة وممثليها, استغلوا مخاوف الناس من الاصابة, وساهموا بتهويل هذا الخوف, كل ذلك في سعي منهم لتوسيع نطاق سلطتهم الى حد غير مسبوق, على الاقل في وقت السلم (اي باستثناء اوقات الحروب). أي انهم عطلوا حقوق الملكية, وقوضوا الحريات الشخصية وقيدوا حركة الافراد حتى في داخل منازلهم؛ وكل هذا كان في سبيل الصحة العامة والسيطرة على الوباء.
وبرأيي, فان درجة الخضوع نحو السياسة التي أعرب عنها, لهو أمر مقلق للغاية.
توماس جيكوب: في مجتمع القانون الخاص, كيف يمكن حل مشكلة الوباء من دون تنظيم حكومي؟
هوبه: في مجتمع القانون الخاص, كل الارض, حتى اخر متر مربع منها, هي مملوكة بشكل شخصي. فكل الشقق والمنازل, والطرق, والموانئ, والمطارات, والمصانع, والمدارس, والمستشفيات, الخ… لكل منها مالك خاص. وهذا المالك الخاص, يكون اما فرداً او مجموعة افراد, او جمعية خاصة, ولكل من هؤلاء قواعد وهيكلية تنظيمية وديناميكية صناعة قرار خاصة به.
وهذا يحقق, مقارنة بأي نظام سياسي مركزي, اقصى درجة من اللامركزية في عملية صناعة القرار, وبالتالي اقصى حس ممكن بالمسؤولية اتجاه تلك القرارات. فكل قرار هو خاص بفرد او مجموعة فيما يتعلق بملكيتهم (فقط ملكيتهم الخاصة)؛ وأي خسائر يمكن ان يتعرض لها صاحب القرار نتيجة قرار خاطيء يتحمل تكلفتها هو وحده.
وهذا يعني, فيما يتعلق بمشكلة الوباء, ان السؤال الذي يطرحه على نفسه صاحب الملكية الخاصة: “لمن سأسمح بالدخول؟ ولمن سأمنع؟” بمعىً اكثر دقةً: ان على صاحب الملكية الخاصة (سواء كان فرداً أم مؤسسة) أن يقرر, وبناءً على تقييمه الشخصي لمستوى الخطر بالنسبة الى نفسه والى ملكيته, لمن سيسمح بالوصول او الدخول الى ملكيته, ومتى, وتحت أي ظروف, ومتى ومن سيمنع. وبالأخص في حال كون الملكية الخاصة تجارية, سيكون القرار متضمناً على اجراءات وقائية تسهل وصول الزبائن وفي نفس الوقت تقلل وتقلص من خطر الاصابة المحتمل لأي من الطرفين. والعكس بالعكس, الزبائن سيكون على عاتقهم مسؤولية اتخاذ الاجراءات الاحتياطية لحفظ سلامتهم وتجنب الوصول للأماكن التي يمكن ان تعرضهم لخطر الاصابة. المحصلة النهائية ستكون شبكة معقدة من القرارات الفردية فيما يخص قواعد التواصل والزيارة والتعامل (من دون أي حاجة لتدخل حكومي).
كل مقابلة ولقاء سيحدث بشكل طوعي ونتيجة قرار واعٍ. أي أن أي لقاء سيحدث, يكون اطرافه اخذين بنظر الاعتبار أن الفائدة المستحصلة من هذا اللقاء أعلى درجة من أي خطر محتمل بالاصابة نتيجة اللقاء (benefit / risk ratio).
لذلك, لا يملك أي من الزائر أو المضيف أي حق بدعاوي المسؤولية, ذلك أنهما كلاهما وافقا على احتمال حدوث اصابة نتيجة لقائهما. وخطر وتكاليف الاصابة يتحمله كل طرف وحده. فدعاوى المسؤولية ممكنة فقط في حال ارتكب احد الاطراف الخداع, أي أن يكذب المضيف بشأن اجراءاته الوقائية, أو أن يخالف الزائر القواعد والاجراءات الخاصة بالمكان الذي يزوره.
لكن حتى في حال عدم حدوث اي خداع, لن تكون قرارات كل من الزائر والمضيف خالية من أي ثمن؛ أي يمكن أن تكون الاجراءات الوقائية عديمة النفع (أو أسوأ, تزيد من احتمالية الاصابة), لكن بشرط أن يكون هذا الامر مبرراً.
ففي كل الأحوال, سيكون على الطرفان الاخذ بنظر الاعتبار كل الاحتماليات الممكنة, أي بمعنى: يمكن أن تكون نتيجة لقائهما معاكسة تماماً لما يريدان تحقيقه من لقائهما, وعليهم وحدهم تحمل نتيجة قرارهما الخاطئ. فكل هذه الامور هي ثمن باهض, وهي مسؤولية صاحب القرار, فكيانه الاقتصادي وبيئته الاجتماعية على المحك. وفي هذا الضوء, سيتخذ الفرد قراره بعناية فائقة, وبالأخص فيما يتعلق بملكيته وعلاقاته التي يريد ان يحافظ عليها. سيكون مجبراً على التعلم من اخطائه بشكل سريع وفائق, لتفادي أي تبعات اقتصادية واجتماعية اخرى.
وبهذا نرى, أن لا مركزية القرارات, هي أكثر الطرق كفاءةً لمواجهة الوباء, أو أي مشكلة مشابهة. هذا لأن, وكما أشرنا من قبل, أي خطر يمكن أن يشكله الوباء, يختلف باختلاف المناطق والوقت. وبشكل عام, ليس هناك أي جواب محدد وعلمي وغير مبهم لتقييم مستوى خطورة مرض معدٍ. بدلاً من ذلك, فمسألة تقييم مستوى الخطورة هي مسألة تجريبية, والاجوبة على المسائل التجريبية هي دائماً فرضية وغير مؤكدة؛ وبالتالي فان الجواب يختلف من رأي عالمٍ الى اخر, ومن رأي مجموعة خبراء (علماء دراسة الفايروسات مثلاً) الى اخرى (الاقتصاديون مثلاً), وكذلك تتغير بمرور الوقت وزيادة سعة الملاحظة والتجربة.
وفي هذا الضوء, سيبدو من البديهي أن مسألة صناعة القرار بشأن الاجراءات الوقائية المناسبة, يجب ان تكون بيد صناع قرار محليين, وعلى اطلاع بالظروف المحلية المتعلقة. ومن البديهي أيضاً أن يكون صناع القرار المحليين هؤلاء هم من اصحاب الملكيات الخاصة او تجمعات للمالكين (associations of private owners), لأنهم سيكونون مسؤولين عن قراراتهم وعن مجاميع الخبراء الذين سيصغون اليهم. وهم كذلك سيكون لديهم حافز مباشر للتعلم من اخطائهم او اخطاء الاخرين, أو محاكاة التجارب الناجحة في المناطق الاخرى المشابهة.
ومن الجدير بالذكر أن بيئة صناعة القرار المحلية, تحتوي على عدد معتبر من الاشخاص الكفوئين أكثر مما في غرف البرلمانات وخلف ابواب السياسة, أفضل وأكفأ على كافة الاصعدة: وفرة الخبرة, ومعدلات الذكاء, والنجاح الريادي والمهني, والمؤهلات العلمية, والرزانة والارتكاز في الاداء واتخاذ القرار.
فحينما نتوقع ان حلاً سهلاً وخال من التكاليف والتبعات لمشكلة الوباء, يمكن أن يصدر, دوناً من باقي الناس, من السياسيين وحاشيتهم, اشخاص سيتخذون قرارات بشأن استخدامات الملكية الخاصة, والتحكم بحركة عدد غفير من الأشخاص هم ليسوا على معرفة بهم ولا بظروف بيئتهم المحلية, وهم (أي السياسيون) غير مسؤولين عن نتائج قراراتهم ولا يمكن محاسبتهم, وعلاوة على ذلك فهم ليسوا ذوي ذكاء حاد, حينها نحتاج الى معجزة ليتحقق توقعنا وتاملاتنا هذه.
توماس جيكوب: هل يمكنك ان تعطي لنا مثالاً عن ماذا كان يمكن ان يكون مختلفاً في مجتمع القانون الخاص مقارنة بالمعالجة السياسية الحالية لمسالة الوباء؟ وكيف؟
هوبه: في مجتمع القانون الخاص لم يكن ليحدث الوباء اساساً.
انا هنا لا أدعي بأن الفايروس غير حقيقي أو أنه ليس معدٍ أو خطير. أنا أعني ببساطة, أن خطر الاصبة بفايروس الكورونا منخفض للغاية, وأن اغلب الناس كانوا سينظرون اليه بهذه الطريقة (الاذكياء على وجه الخصوص), وبالتالي ما كان ليحدث اي تغيير جذري في سلوكهم وتصرفاتهم. وفي حال حدوث زيادة في عدد الاصابات او الوفيات (في المستشفيات ودور المسنين وغيرها), فان هذه الزيادة سينظر اليها على انها متغير طبيعي, متعلق بالموسم, أو الطقس, أو المنطقة (اي التي تحدث فيها زيادة في الاصابات/الوفيات), أو انها ظاهرة متقلبة متغيرة بذاتها, كما في حالات تفشي الانفلونزا (حالات الزكام المعهودة) والتي يتعامل معها الفرد باحتياط واجراءات احترازية طبيعية. بعبارة أخرى, أن كل المشاكل والتغيرات المتعلقة بالصحة كان سيتم اعتبارها ضمن المعدل الطبيعي للتغيرات. لم يكن هنالك أي حالة طوارئ, وليس هنالك حتى الان؛ كانت ستستمر الحياة طبيعية كما عهدناها, ولم يكن هنالك أي سبب للذعر او اعلان حالة طوارئ عالمية.
ففي الحقيقة, فان معدلات الوفيات في المانيا, النمسا, أو سويسرا لم ترتفع بشكل ملفت للنظر, أي ان احدنا يتوقع نتيجة الاجراءات الحكومية الصارمة ان هناك ارتفاعاً حادً ومرعباً في عدد الوفيات, لكن ذلك لم يحدث, فاعداد الوفيات لا زالت ضمن معدلات السنين السابقة. وحتى لو افترضنا جدلاً ان معدلات الوفيات هذه السنة فاقت ما سبقها, فليس من الواضح حقاً أن الوباء هو السبب الرئيسي من هذه الزيادة, على سبيل المثال يمكن أن تكون اجراءات الحظر ذاتها هي السبب.
هنا يمكننا ان نستنتج, انه ليس فايروس الكورونا من غيّر العالم, لكن السياسيين استغلوا الفايروس كذريعة لتغيير العالم بما يصب في مصلحتهم.
ان الانفصال التام من مجرى الاحداث الاعتيادي, الذي يحدث حالياً, لا يمكن عزوه الى اي اسباب حقيقية علمية. فلا الحقائق ولا العلم يوفران اساساً لتبرير ما يسوقه السياسيون من “مستوى جديد من الطبيعي” (the new normal) أو “البداية الجديدة” (the great reset). فهذه هي مكائد من قبل السياسيين لزيادة نفوذهم وتوسيع سطوتهم من خلال الاكاذيب والخداع والمعلومات المضللة والدعاية الكاذبة الغير متناهية, كل هذا وعلى نحو غير مسبوق مطلقاً.
اسميها مكائد لأنهم ضخموا من اعداد الوفيات بشكل منهجي, وذلك من خلال اعتبار أية حالة وفاة, هي وفاة نتيجة للاصابة بالفايروس, مادام المتوفى مصاباً وتم تاكيد الاصابة مختبرياً (أي بمعنى, حالة وفاة نتيجة حادث سير, والفحص المختبري أثبت أن المتوفى بسبب حادث السير هو ايضاً مصاب بالفايروس, سيتم تسجيل الوفاة نتيجة للاصابة بالفايروس!), من دون البحث فيما اذا كانت الاصابة هي السبب حقاً.
فالمستشفيات والمدن, استلمت تعويضات مالية لحالات الوفاة نتيجة الاصابة, وبالمقابل لا شيء لقاء الوفيات الأخرى (ولك أن تستنتج ما يمكن ان يحدث نتيجة اجراء كهذا).
كما وأن جميع الاحصائيات الرسمية, تجنبت وضع معدلات الوفيات نتيجة الاصابة بمقارنة مع معدلات الوفيات بشكل عام, لأن ذلك كان سيظهر أن الأرقام باهتة ولا شيء يدعو للتهويل أوالترويع حقاً.
والسلطات كذلك تجنبت بشكل متعمد الابلاغ عن الاضرار المميتة نتيجة اجراءات الحظر, فلا احد يعرف ارقام: من ماتوا لأن المستشفيات قد تم اخلائها تماماً لتستوعب المصابين فقط؛ أو من ارتكبوا الانتحار نتيجة خساراتهم المالية الفادحة؛ أو المسنين الذين ماتوا نتيجة للعزلة والوحدة من بعد فرض منع التواصل.
لكن الخديعة الاكبر كانت في اعادة تعريف مفهوم “الخطر”. بشكل عام, فان الخطر الناتج من الاصابة باي مرض, يكمن في مجموعة الاعراض التي تظهر على الشخص المصاب, أي اذا كان الشخص المصاب لا يُظهر أي اعراض خاصة بالمرض, فلا يوجد حينها ما يمكن تسميته بالخطر.
لكن عوضاً عن ذلك, فالسياسيون قد اعادوا صياغة المفهوم ليكون مبنياً فقط على نتيجة الفحص بدلاً من ظهور الاعراض. فيصبح مقياس الخطر هو عدد المصابين, وكلما اجروا فحوصاً أكثر, كلما وجدوا مصابين أكثر, وهذه الزيادة في اعداد المصابين يتم تهويلها ودقها في الاذهان يوماً بعد يوم وبشكل مستمر.
ان الفحص بحد ذاته لا يمكن الاعتماد عليه بشكل تام, فقد تم تسجيل الكثير من الحالات الموجبة-الكاذبة والسلبية-الكاذبة وبشكل متكرر. لكن الأهم من ذلك هو ان الفحص لا يمتلك أي قيمة تنبؤية فيما يتعلق بتقدم المرض. فأغلبية الناس, ما يقدر ب80% منهم, الذين تظهر نتائج الفحص بانهم مصابين, لا يبدون أي اعراض تذكر, وبحسب معرفتنا الحالية, فان خطر الاصابة منهم يقترب من الصفر, ان لم يكن كذلك. فهوؤلاء الأغلبية, من دون اختبار الفحص, ماكانوا ليعرفوا بأنهم مصابين.
فيما يقدر بـ15% من الاصابات, يتطور المرض الى شكل أكثر خطورة, الى حد ان يكون المصاب طريح الفراش. وفي الـ5% المتبقية من الحالات, يظهر لديهم التهاب تنفسي حاد وخطر, ويحتاجون الى عناية طبية فائقة.
في حال اعتبرنا ارقام واحصائيات مركز مكافحة الامراض (CDC) الامريكي ـــ وهو ممول حكومياً ولا يمكن اعتباره على جانب المشككين ـــ صحيحة وحقيقية, فان هذه الارقام تظهر لنا ان معدلات النجاة من الاصابة بالفايروس تختلف باختلاف عمر المصاب, لكن بشكل عام فان معدل النجاة لكل الاعمار هو معدل عال جداً, والأرقام هي كالتالي:
معدل النجاة للمجموعة العمري 0-19 هو 99.997%
معدل النجاة للمجموعة العمرية 20-49 هو 99.98%
معدل النجاة للمجموعة العمرية 50-69 هو 99.5%
معدل النجاة لمن هم فوق الـ70 هو 94.6%
هذا يعود بنا الى بداية حديثنا؛ أي من الأفراد او الجمعيات في مجتمع القانون الخاص, يمكن ان يرى في هذه الارقام والاحصائيات سبباً سبباً كافياً ووجيهاً لتغيير نمط حياتهم؟ من قد يوقف ويغلق أعماله؟ من قد يمكنه ان يتوقف عن العمل والانتاج او السفر؟ من قد يفرض على نفسه حظراً شاملاً او يمنع نفسه من التواصل او الوصول اليه او الى ملكيته بشكل تام؟
انا اعتقد ان الاجابة على هذه الاسئلة واضحة تماماً.
بناءً على خبرة حقيقية وواقعية, بدلاً من خبرة مبنية على الفحوص المختبرية والتي لا تتوافق مع التجربة الحقيقية للمرض, لأخذنا (كأفراد وجمعيات في مجتمع القانون الخاص) اجراءات اضافية ووقائية بالتأكيد, كما فعلنا سابقاً حينما مررنا بأوبئة الانفلونزا. وبالتأكيد كنا سنولي اهتماماً وحذراً أكبر في التعامل مع المسنين. ومن المحتمل أن مدراء المستشفيات كانوا سيزيدون عدد الأسرة المتاحة؛ وربما تقود ملاحظة أعراض جديدة لا تتطابق مع أي مرض معهود, علماء الفايروسات للتوصل الى فحص خاص. وربما حتى للتوصل الى لقاح, على الرغم من ان هذا احتمال ضعيف, لأن تكلفة انشاء لقاح هي أضعاف الحاجة الفعلية اليه (بناءً على تقييمات مستويات الخطورة).
حقيقة أن ما حدث قد اتخذ منعطفاً غريباً ومختلفاً عن ما شرحنا, ليس سببه الّا طبقة من السياسيين او النخب السياسية, الذين لا يتحملون مسؤولية تبعات وعواقب افعالهم وقراراتهم, وبالتالي يزيدون من محاولتهم في “فعل الخير”, الى حد الرهاب والجنون.
ان رهاب وجنون السياسيين هذا, والذي هو وليد انعدام المسؤولية, قد اظهر نفسه من قبل بشكل آخر. وبناءً على ارقام حكومية رسمية, فقد ابتدع السياسيون “تبريراتٍ علمية” لتدخلاتهم المتزايدة في الشأن الاجتماعي. على سبيل المثال احصائياتهم في المجال الاقتصادي فيما يخص مستوى الدخل, الثروة وتوزيعها, النمو الاقتصادي, الصادرات, والبضائع المستوردة, العرض النقدي, التجارة, التضخم, الأجور, ومستويات العمل والبطالة الخ… كل من هذه الاحصائيات وفرت سبباً للسياسيين للتدخل, فالأرقام أما كانت عالية أكثر مما يجب أو أقل مما يجب, أو كان يجب تسويتها وفق الاجراءات الحكومية المناسبة. دائماً ما كان هنالك شيئ يجب ان يتم تصحيحه. ولا حاجة لنا هنا لتفصيل وشرح الخسائر الناتجة من كل من هذه التدخلات.
ومع ذلك, فان السياسات في ازمة الكورونا تحركت باتجاه جديد. فالسياسيون اكتشفوا ان الاحصائيات والارقام المتعلقة بالمجال الصحي, توفر ذريعةً أقوى للتدخل والاستبداد الحكومي, أفضل بكثير من الاحصائيات الاقتصادية والمالية. وعلى اساس فحص مختبري, نجح السياسيون في دفع حياتنا الاجتماعية نحو الركود التام, والزج بالملايين من الناس في مآزق وصعوبات اقتصادية ومالية واجتماعية؛ وفوق ذلك نجحوا في أن يقدموا أنفسهم كأبطال ومنقذين.