
لكم هو مدهش عدد الناس الذين اكتشفوا يوم الأربعاء الماضي أن القيام بأعمال الشغب يُعد أمرًا خاطئًا – بينما لم يلاحظ معظم أولئك الناس أنفسهم هذا الأمر عندما استمرت أعمال الشغب لأسابيع، أو حتى شهور، في مختلف مدن البلاد العام الماضي!
بالنسبة للكثير من الناس، وخاصة في وسائل الإعلام، فإن تصوير الخطأ والصواب، أو الحقيقة والزيف، يعتمدون على هوية الذي سوف يساعدونه أو يؤذونه سياسيًا. إن الكثير من الإعلاميين الذين يُفترض أن يكونوا مراسلين ميدانيين، يتصرفون وكأنهم مقاتلون في حروب سياسية.
قيل ذات مرة أن “الحقيقة هي أول ضحايا الحرب” – وقد كان هذا جليًا في وسائل الإعلام، وفي كثير من الأوساط الأكاديمية أيضًا.
تظهر واحدة من أكثر التشوهات غرابة، والتي نمت من خلال إهمال الحقائق هذا، في إزالة اسم أبراهام لنكولن وتماثيله من أماكن مختلفة بحجة أنه كان يرى السود فقط بوصفهم ممتلكات. إلا أن مثل هذه الانتقادات تفضح جهلًا لا يُصدّق بالتاريخ – أو تجاهلًا تامًا للحقيقة.
بوصفه محام، فقد عرف أبراهام لنكولن أنه لا يوجد شيء في الدستور يخوله هو أو أي رئيس آخر بتحرير العبيد. ولكنه كان يعلم أيضًا أنه يمكن لأي قائد عسكري أن يستولي بشكل قانوني على ممتلكات أي دولة معادية في فترة الحرب. وهكذا أعطى تعريف العبيد “كممتلكات” للرئيس لينكولن السلطة القانونية الوحيدة التي مكنته من الاستيلاء عليهم خلال الحرب الأهلية، وبمجرد الاستيلاء عليهم كممتلكات، سيكون بإمكانه تحريرهم كبشر!
ولكن إذا كان إعلان العتق قد اعتمد على تعريف العبيد كبشر مع حقهم في أن يكونوا أحرارًا، لكانت المحكمة العليا في تلك الفترة قد أعلنت بلا شك عدم دستورية ذلك.
كان الملايين من البشر سيظلون عبيدًا، فهل تستحق الخطابات الرنانة هذا الثمن؟
أما بالنسبة للادعاء القائل بأن لنكولن لم يكن يعتبر السود بشرًا، ألم يقم بدعوة فريدريك دوغلاس إلى البيت الأبيض؟!
من أجل إزالة اسم أبراهام لينكولن من المدارس، تخبرنا التحريفات الجسيمة للتاريخ بالكثير عن مشكلة النظام التعليمي الأمريكي اليوم.
إن العديد من المدارس مغلقة اليوم بسبب فيروس كورونا ونقابات المعلمين، والعديد من المدارس الواقعة في أحياء الأقليات فشلت في تعليم الأطفال ما يكفي من الرياضيات واللغة الإنجليزية عندما كانت لا تزال مفتوحة. لذا فإنه من المدهش أن يكون لدى السلطات المدرسية الوقت الكافي لإنفاقه على الحروب والحملات الأيديولوجية لإزالة الأسماء والتماثيل من المدارس!
لسوء الحظ، فقد أصبحت معظم مؤسسات التعليم الأمريكية – من المدارس الإبتدائية إلى الى الجامعات – عبارة عن مراكز للتلقين. وأعمال الشغب التي اجتاحت البلاد العام الماضي هي ثمار ذلك التلقين والتجاهل التام لحقوق الآخرين الذين صاحب أعمال الشغب تلك. وفي جوهر هذا التلقين يكمن الشعور بالظلم ودور الضحية عندما يحصد الآخرين نتائج أفضل – والتي تُسمّى تلقائيًا “امتيازات” ولا تُسمّى “انجازات” أبدًا، بغض النظر عن الحقائق الفعلية. فالحقائق لا تهُم في مثل تلك القضايا، بقدر ما لم تهُم عند تشويه سمعة لينكولن.
إن “مراعاة تمثيل” أي مجموعة في أي مسعى يمكن اعتباره كشهادة أو برهان على التحيز التمييزي. ولا يمكن لأولئك الذين يجادلون بهذه الطريقة أن يظهروا لنا أي مجتمع – في أي مكان في العالم أو في أي وقت عبر آلاف السنين من التاريخ المعروف – يحتوي على تمثيل متساوي لكل جماعاته بشكل متناسب في جميع المساعي!
على سبيل المثال: هناك لاعبون كنديون في دوري الهوكي الوطني الأمريكي أكثر من عدد لاعبي الولايات المتحدة. ويوجد أيضًا لاعبون سويديون أكثر من عدد اللاعبين الذين يأتون من كاليفورنيا، على الرغم من أن عدد سكان كالفيرونيا يقترب من أربعة أضعاف عدد سكان السويد. حتى أن سكان كالفيرونيا “أقل تمثيلًا” في دوري الهوكي بنسبة تفوق تمثيل النساء في وادي السليكون! لكن لا أحد يستطيع أن يدّعي أن هذا يرجع إلى التحيز التمييزي من قِبل دوري الهوكي، فمن الواضح أن سبب ذلك يرجع إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في المناخات الباردة هُم أكثر عرضة لتجربة التزلج على الجليد.
إن هذا هو أحد العوامل العديدة التي تنتج إحصاءات مشوهة في العديد من المساعي، التحيز التمييزي هو واحد من بين تلك العوامل، لكنه ليس العامل الأكبر.
لكن من الذي يهتم بالحقائق بعد الآن في عصر التلقين العقائدي هذا؟
– توماس سويل: زميل أقدم في معهد هوفر، جامعة ستانفورد، كاليفورنيا.
– ترجمة: غسان مازن
– رابط المقال الأصلي: https://www.creators.com/read/thomas-sowell