الرئيس المنتخب بايدن، والذي لم يتقلّد منصبه بعد، هو أشبه بـحلم ميكاڤيلي – خصوصًا الطريقة التي اختتمت بها الانتخابات وأوصلته لهذه النتائج.
8 نوفمبر 2020
كيرتس يارڤن (Moldbug) / ترجمة Saif Al Basri
رغم أني لم أترجم توقّعاتي إلى سطور، ليس من باب المسؤولية ولكن بدافع الجبن، إلا أنني أخبرت محيطي الواقعي قبيل الانتخابات أن النتيجة المفضلة عندي هي ”ترمپ سيفوز، لكن بايدن يسرقها منه في النهاية“.
بعضهم أساء فهمي معتبرًا هذا الموقف ”تسارعي“ لكّنه ميكافيلي فحسب [في النظرية السياسية والاجتماعية، التسارعية هي الفكرة القائلة بأنه يجب تسريع الرأسمالية، أو العمليات الخاصة التي ميزت الرأسمالية تاريخيًا، بدلًا من التغلّب عليها من أجل إحداث تغيير اجتماعي جذري]. أيضًا كنت أقول لأتباع ترمپ إنني ”مؤيد ومناصر لترمپ“، وعليه، ألتف على طول الطريق حتى أنتهي بموقف ”لماذا إذن أؤيد بايدن“. هذا لم يثر الكثير من التوتر بيننا وكان صحيحًا في نفس الوقت.
على أية حال، يسعدني أن أحيي ـ ربما قبل الأوان ولكني أشك في ذلك، انتخاب رجل الدولة الكبير، الزعيم الأمريكي، إشبينة العروس الدائمة والآن العروس نفسها، جو بايدن الصيني. إذا احتاج هذا الرجل المسنّ يومًا ما إلى لعب ورقة أغسطس فهو يعرف جيدًا بمن سيتّصل [أغسطس قيصر، اقرأ عن restitutio rei publicae].
(في الواقع، قبّل بايدن والدتي في الماضي؛ ولا أظنه قبّلها بطريقة جنسية. فزوج والدتي، موظف سابق لبايدن في الثمانينيات، وهو رجل شريف ونزيه. ولذا فأنا لا أسمع سوى الأشياء الجيدة عن قبلة أنظار أمريكا الجديد. بل وحتى أسنانه تشعّ بياضًا ;)).
للانتخابات عواقب
طبعًا لا جدوى من التكهّن بتفاصيل انتخابات فيلادلفيا. يكفي للمرء أن يلفظ جملة ”انتخابات فيلادلفيا“، وستجد أي شخص على قبر مارك توين أو بالقرب منه وهو يشعر بتزلزل الأرض تحت قدميه. السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: هل سبق أن أجرت فيلادلفيا انتخابات حرة ونزيهة؟ (هذا البلد، على ما هو عليه، يبالغ في أخذ نفسه على محمل الجد. هل فكرت يومًا في احتمال أن أميريكا كانت دائمًا مجرّد مزحة؟ أنا متأكّد من أن معظم المؤرخين فكّروا بذلك).
الغرض الجوهري من الانتخابات الديمقراطية هو اختبار قوة الأطراف في الصراع المدني، دون أن يتأذّى أحد. الأغلبية تفوز لأن الجانب الأقوى سيفوز. والأفضل قياس ذلك عن طريق عدّ الرؤوس بدل من قطعها؛ وما تفرزه عملية عد الرؤوس هو تخمينًا معقولًا حول من سيفوز في ”مسابقة“ طرق الرؤوس. بعبارة أخرى: نفس النتيجة، بارتجاجات دماغية أقل: هكذا تحقق أمثلية باريتو في صراع سياسي.
لكن هذا التخمين سيكون أفضل بكثير لو كان يقيس عدد المستعدّين والقادرين على النزول إلى الشارع والذهاب إلى التصويت. فأي شخص يعجز عن الحضور إلى مقصورة الاقتراع من غير المرجح أن يظهر ويشارك لو حدثت حرب أهلية مثلاً. وهذا هو أحد الأسباب العديدة التي تجعل الانتخاب بشكل شخصي وليس من خلال البريد أكثر دقة من غيره. (ربما لو أمكن تأهيل حق الناخبين من خلال اللياقة البدنية، فسيكون ذلك أكثر دقة).
إحساسي هو أنه في العديد من المجتمعات الحضرية في الولايات، يكون التصويت بالوكالة هو الخيار السائد. والأشخاص الذين وردت أسماؤهم في بطاقات الاقتراع موجودون بالفعل. وجميعهم تقريبًا دعموا جو بايدن ”الصيني“؛ أو على الأقل فضّلوه على ترمپ.
مدى قيامهم بأي نشاط سياسي ملموس، بما في ذلك الذهاب بشكل شخصي إلى كابينة الاقتراع، هو أمر واقعيًا ضئيل للغاية؛ ونفس الشيء بالنسبة لارتباطهم بالنظام السياسي. فهم لا يشاهدون سي أن أن كثيرًا. والطلب على سجلّات مشاركتهم عالي للغاية، فكل عنصر إسناد من هذا القبيل يلغي بدوره صوت ريدنيك ضخم ومدجّج بالسلاح على قاربه الجهير [بعض مؤيدي ترمپ]. ولهذا السبب تبدو هذه المدن في البيانات المعلنة مهووسة بالسياسة، بينما نرى أماكن الاقتراع فارغة؛ فمعظم الأصوات من هذه المناطق هي إلى حد ما ”مُنَسّقة“.
ما إذا كان مثل هذا التنسيق يشكل “احتيالًا” أم لا، هو في النهاية مشكلة يحلّها القاضي، لا نحن. وهذا في الحقيقة لا يهمنا. كل ما نحتاج إلى معرفته هو أنه أيّا كان الإنكوبوس [الحضون] الذي هيّج الريح الإلهية في وقت مبكر من ذلك اليوم المظلم المشؤوم، فهو قد ضرب العديد من المدن المتأرجحة، موقفًا الكتبة المطيعين أولاً، رافعًا جو الصيني ثانيًا، مثل بيلبو الذي أنقذته نسور گاندالف. والقضاء الأمريكي النبيل والموقّر، على ما يبدو، لا يرغب في إلقاء نظرة فاحصة على ما حدث.
ربما سينظر القضاء بالأمر نيابة عن ”السوقي ذو الأصابع القصيرة“ [كما يسخر بعض الدمز من ترمپ]؟
في غضون شهرين فقط، سيكون على هاتفه في تواصل مستمر مع محاميه. ربما حتى آخر أيامه. فلن ينسى أحد ما فعله هنا. ولن ينسى أحد أبدًا أي شخص حاول حتى العمل معه. ولا استبعد لو أطلق شخص ما النار عليه وسط الجادة الخامسة [نيويورك]، فسيحصل كأقصى حد على مذكّرة ”حيازة سلاح بشكل غير قانوني“. وعندما يذهب إلى السجن، لن يكون ذلك لكونه قويًا، بل لكونه ضعيفًا.
هل لديه بديل؟ بالتأكيد. لكنه لن يعجبه؛ بل ولن يعجب معظم الناس.
الخوف غير العقلاني من السلطة
التقدّميون يرون أن السلطة هي غاية. بينما يتعامل المحافظون مع السلطة كوسيلة لتحقيق غاية. بمجرد أن يحصل المحافظون على حيّز صغير من السلطة، تجدهم يباشرون في محاولة استخدامها لتحقيق نتائج جيدة. وهذا سلوك غير منطقي.
الطريقة العقلانية لاستخدام القوة هي الطريقة التقدّمية: أي صنع المزيد من السلطة وتعزيز القوة. فسلطتك تنمو بشكل أسّي، وفي النهاية تكون قد حصلت على كل النفوذ، حتى يمكنك الحصول على كل النتائج التي تطمح إليها.
فلا توجد فكرة تقدّمية واحدة لا يثمر عنها نفوذ وسلطة. في نفس الوقت لا أستطيع التفكير في فكرة محافظة واحدة تجني نفس الثمار. وإذا فعل أحدهم [المحافظون] ذلك، فسوف يسرق التقدّميون هذه الفكرة منهم، ثم يقنعونهم بمعارضتها، وبالتالي يعود كل شيء كما كان.
هذا ليس من قبيل الصدفة. فالعيب الكبير لليمين الأمريكي هو أنه بالإضافة إلى عدم قدرته على انتزاع أي سلطة حقيقية، فهو لا يريد أي قوة أو سلطة حقيقية، بل وليس لديه أي فكرة عما سيفعله لو امتلكها أصلًا.
وبينما أكتب الآن، مازال المسار مفتوحًا تمامًا للجمهوريين ـ إذا ما كان بإمكانهم العمل كوحدة متماسكة ـ لأخذ كل السلطة التي يريدونها. لكنهم لا يستطيعون، ولن يفعلوا ذلك. ذنبهم ليس في نجومهم [أقدارهم]، بل في أنفسهم.
كيف؟ الأمر بسيط: إنهم يحتاجون فقط إلى تولي السلطة المطلقة قانونيًا، ثم استخدامها بشكل مطلق. هذا القرار كان من الممكن أن يتّخذ وبجهد تافه قبل أربع سنوات عندما سيطر الجمهوريون على السلطات الدستورية الثلاثة. الآن قد يتطلّب الأمر شقًّا دستوريًا لاستعادة الرئاسة، وزوجين آخرين للوصول إلى السلطة الحقيقية. لكن دعنا نتناول الخطوات بالتفصيل. (تحذير: هذا ”الانقلاب القانوني للغاية“ لن يحدث في الواقع.)
انقلاب قانوني للغاية
أولاً، سيتعيّن على المشرّعين الجمهوريين في الولايات أن يعلنوا أن بطاقات الاقتراع باطلة وأن يقتصروا على الناخبين في يوم الاقتراع، مما يسرق/يستعيد نتائج الانتخابات مرة أخرى. يمكنهم فعل ذلك اليوم، بشكل بديهي وقانوني. ويمكن أن يطلقوا عليه “قانون رائع جدًا وقانوني جدًا” (Very Cool And Very Legal Act).
ثانيًا، لكي يحكموا من جانب واحد بدون العودة إلى الكونگرس، يتعين على الرئيس أن يؤكّد سلطته الدستورية غير المشروطة على السلطة التنفيذية. وهذا مذكور بوضوح في المادة الثانية: مرة أخرى، “رائع جدًا وقانوني جدًا“.
أما بالنسبة لما يسمّى بـ ”قوة المال“، فهذه لا تعني الكثير أمام قوة الاحتياطي الفيدرالي. بما أن الاحتياطي الفيدرالي هو جزء من السلطة التنفيذية، فمن يحتاج إذن إلى اعتماد من الكونگرس؟ لاحظ، حجّمناه بسهولة .. لول.
ثالثًا، الافتقار إلى محكمة عليا مخلصة تمامًا، يدفع بالرئيس نحو الإشارة إلى القيمة الباطلة، اللاتاريخية وغير المنطقية لقضية ماربوري ضد ماديسون [1803، القضية التي خرجت بمفهوم الاستعراض الدستوري في صراع سياسي قضائي في الولايات المتّحدة]، وتأكيد الوضع المستقل والمتساوي للسلطة التنفيذية. فمفهوم ”السيادة القضائية“ هو اختراع ملفّق خرج به القاضي مارشال آنذاك، استحدثه مراعيًا أهدافه السياسية والاعتباطية. قرار بارع جدًا، في نفس الوقت غير قانوني ”جدًا“، وعليه، تبًا له.
دائمًا ما يسعد الرئيس سماع قرارات وآراء السلطتين الأخريتين. وفي ظل الظروف العادية، فهو يطيعهم بلا شك. فعلًا دون مبالغة! ولكنك تعلم كيف هو الوضع الآن. ورغم تقييمه الشخصي الذي لا يستطيع تجنّبه، خصوصًا في حالة الطوارئ الحالية التي تهيمن على الأوضاع الآن، يبقى مسؤولًا أمام طرف واحد: الشعب الأمريكي. وهو يشكرك، بالمناسبة، على ”اهتمامك“ المتبادل.
رابعًا، باستخدام نفس السلطة القانونية ”الرائعة جدًا“ والتي استخدمها أيزنهاور في عام 1957، حينما استدعى الحرس الوطني واستخدمه لحكم الولايات المتعددة بشكل مباشر. لاحظ أيضًا أن قانون Posse Comitatus لعام 1878 ـ رغم اسمه الذي قد يطرب السامع، إلا أنه بمثابة ألم شديد في المؤخّرة ـ لا ينطبق على مشاة البحرية.
في هذه المرحلة، سيكون الرئيس قد أخذ السلطة الكاملة والمطلقة طوال فترة ولايته الثانية. امتثالًا تمامًا لكل حرف أخير من أعلى قانون في البلاد، يكون قد انتقل بذلك من الهزيمة المظلمة إلى النصر المطلق. ولو قارنا واقعيًا، ستتجاوز سلطاته الجديدة تلك التي حظي بها ج. واشنطن أو لينكولن أو روزفلت. وإذا كنت تعتقد أن ولايته الأولى جعلت أمريكا great again، آمل أن تكون مرتديًا حزام الأمان 😉
لأنه خامساً، لا توجد قوة حقيقية، حتى تمارس. فالسلطة هي أشبه بعضلة. واستخدام السلطة يبني مؤسسات قوية. وهناك هدف واضح للسلطة: عضلات النظام القديم. الخطوة الخامسة للنظام الجديد هي تصفية المؤسسات القوية والمرموقة و/أو الثرية للنظام القديم، داخل الحكومة السابقة وخارجها.
وانتزاع كل عضلات النظام البائد هي المهمة الأولى لأي نظام جديد. فبمجرد أن يتم تحطيم جميع هياكل السلطة القديمة وتدميرها، يصبح النظام الجديد حقيقيًا، والنظام القديم وهميًا. فليست الثورة هذه رائعة فحسب، بل إن كل ما تفعله قانوني للغاية – بحكم التعريف. في النهاية، هي من يكتب القوانين الجديدة!
ألم يغلق لينكولن الصحف في وقته؟ … لقد كان مذهلًا بالفعل!
بالطبع، لا تعني تصفية المؤسسات تصفية الأشخاص، مثل ستالين – بل إنها أشبه بإفلاس شركة وخروجها من السوق. بل وقد يغادر موظفيها بـمبلغ إنهاء خدمة سخي جدًا. فبعد كل شيء، هم في الواقع لم يرتكبوا أي خطأ. وحتى لو ارتكبوا ذلك، فلا يزال هناك عملاء شتازي [الشرطة السرّية في المانيا الشرقية] يحصلون على معاشات تقاعدية. لكنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله، فحياتهم المهنية القديمة تركتهم عديمي الفائدة من الناحية المهنية. كما أنه دائمًا وأبداً ليس ذنب الموظفين، بل المسؤولين.
سادساً، لا يكفي أن يكون أي نظام جديد مجرد نفي للنظام القديم. فأي نظام من هذا القبيل ينحصر في سياق وحدود النظام الأوّل، مما يعني أن الأخير لا يزال مسؤولًا ومؤثّرًا بطريقة ما. ومن المحتمل أن ينتهي به الأمر مهيمنًا في الواقع مرة أخرى. الضعف والصغر من أي نوع ليسا علامات جيدة في مهد أي نظام.
بدلاً من ذلك، يحتاج أي نظام جديد إلى رؤية مختلفة تمامًا عن البلد الذي سيحكمه. كما ويجب أن يؤدي تغيير النظام الحقيقي إلى تغيير حياة كل فرد في البلد؛ وأن يكون التغيير الحقيقي للنظام ثورة بكل ما في الكلمة من معنى. هدفها، الآن ولبقية حياتها ـ والتي من المحتمل أن تنتهي، مع أن عادة الثورات أن لا تخطط أبدًا لأي نهاية ـ هو تحقيق رؤيتها الفريدة لليوتوبيا والحفاظ عليها.
وللثورة، بما أنها ذات سيادة، كل السلطات التي تحتاجها لتحقيق ذلك – طالما بقيت هذه المدينة الفاضلة واقعية. وبما أن اليمين هو النظام واليسار هو الفوضى، فإن ثورة اليسار هي أشبه بالجزّار وثورة اليمين أشبه بالجرّاح. وإذا احتاجت أمريكا اليمين لتضميد جروحها لبضعة أيام، فأمريكا اليسار بالكاد تستطيع بيع لحمها كهامبگر في السوق. بل وحتى قبل أن تلتئم الجروح وتقع خيوطها، ستشعر أمريكا وتبدو بحال أفضل من أي وقت مضى.
وقبل أن تعي ذلك، سينهي هذ النزاع الانتخابي فترة تاريخية تجاوز عمرها ربع ألف عام.
حسنًا، لا توجد إمبراطورية تدوم إلى الأبد – وهذا ينطبق أيضًا على الجمهوريات. وهكذا تزداد إمبراطوريتنا الجديدة روعة.
لماذا لن يحدث هذا السيناريو؟
في أي خطوة بدأت تتساءل عما إذا كنت مستعدًا بما يكفي لهذه الرحلة؟ لا تقلق. لا يوجد أحد مستعد بما يكفي لهذه الرحلة. ولذلك لا يمكن أن يحدث هذا السيناريو. ربما ليس هذه المرة.
هناك أقلية من مثيري القلاقل من اليمين الراديكالي، لا يسيطرون على أي شيء فعليًا، حتى في داخل الحزب الجمهوري القَصِيّ، قد يقدمون على الخطوة الأولى. ربما يمكنهم اتخاذ تلك الخطوة – اتخاذ قرارًا لا رجعة فيه – وإلقاء نظرة حولهم ليروا ردة الفعل؟
أو ربما يتوقّفون عند هذا الحد، ويكتفون برئاسة عادية؟
بصراحة، كل هذه مجرّد مضيعة للوقت؛ فلتنفيذ هذه الخطة أو أي خطة مماثلة على أتم وجه وبشكل ناجح، يتعين على الرئيس الاستمرار في التحرك نحو الأمام بشكل كامل دون توقّف.
حيث يجب أن تسير جميع التغييرات داخل النظام بأسرع ما يمكن، خشية أن تقوم العناصر المتبقية من النظام القديم بتعبئة قواتها المتبقية. وقد تستغرق الخطوة السادسة بعض الوقت – ولكن حتى إعادة بناء المجتمع يجب أن تبدأ في أسرع وقت ممكن. كما أن أي فراغ في السلطة يعد أمرًا خطيرًا. حيث لا يمكن القضاء على أي نظام بشكل كامل، خاصة عندما تستبعد فعلاً معاقبة موظفيه وأنصاره السابقين.
لذا فإن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، فلكي يحتفظ الرئيس ترمپ بمنصبه (وربما حريته)، سيتعين عليه عبور نهر روبيكون كما عبره يوليوس قيصر واتخذ قرارًا لا رجعة فيه! فحينها سيتعين عليه عبور خمسة أنهار روبيكون مرة واحدة، وسيفعل ذلك دون توقف. خصوصًا وأنه لا يملك بحوزته (أ) خريطة، (ب) جيش أو (ج) قائد أو جنرال يقود في الميدان.
وبمجرد تباطؤه وسط تدفّقات هذه الأنهار، سيكون في حالة حرب مع عدو متعافي ومتأهّب. وكلما تحرك بشكل أبطأ، احتاج إلى القتال بقوة أكبر. فإذا كان يعتقد أنه كان في حالة حرب من قبل، فإن إلغاء الانتخابات سيأخذها إلى مستوى آخر. وهذه هي الخطوة الأولى فقط!
واقعيًا، لا توجد وسيلة لوقف الحرب أو تأجيلها من طرف واحد. وكلما كانت المعركة أسرع، كان ذلك أفضل – فالسرعة والمفاجأة عنصران ضروريان للانتصار، خاصة في حرب العصابات غير التقليدية.
إن أحد الدروس التي يجب أن تتعلّم منها جميع الأطراف في جميع النزاعات المدنية هو أن القوة ليست مرادفًا للعنف. بل القوة هي نقيض العنف. والعنف سيء، والقوة جيدة. العنف فوضى، والقوة نظام. العنف بطيء والقوة سريعة.
إذا استطعت الفوز بالقوة والنفاذ، فماذا تنتظر؟ افعلها على الفور. وإذا لم تتمكن من الفوز بدون عنف، فربما لا يمكنك الفوز على الإطلاق، وربما لا يجب أن تحاول أصلًا.
بالقوة يمكن تجنّب الكثير من إراقة الدماء إذا ما تم تعليم الشباب بهذه المبادئ الميكياڤيلية البسيطة والخالدة، مع أن لكل مبدأ استثناءاته الضرورية بالطبع.
تفسير ما لا يُفسّر: انعدام كفاءتنا
مرة أخرى، لن يحدث أي مما ذكرت – وهذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أتحدث عنه. قد تحدث بعض المواقف التي تنطوي ضمن تعريف المهزلة. عدا ذلك لن تستخدم أي قوة، وحتمًا إلا القليل من العنف أو عدمه.
بدلاً من ذلك، سيخسر ترمپ والجمهوريون معًا – رغم أنهم يملكون فرصة الفوز لو ساروا إلى الأمام مباشرة ولم يتوقّفوا حتى مشارف روما. خينها ستكون خطوتهم الأولى هي سرقة الانتخابات بشكل قانوني. لكنني أعلم أنهم لو حاولوا ذلك فلن يحاولوا جاهدين، بل ومن المؤكد أنهم سيفشلون. وإذا نجحوا، فإن خطوتهم الأولى ستكون هي الأخيرة؛ وبمجرد توقفهم عن التقدم، سيتم تدميرهم بسرعة.
وغالبًا ما يشعر المؤرخون بالحيرة من لحظات الخيبة والفشل التي لا يمكن تفسيرها. تخيّل، لو سار الكونفدراليون بعد معركة بول ران [الحرب الأهلية الأمريكية] إلى الأمام مباشرة دون توقف حتى بداية الحدود الكندية، لكانت الحرب قد انتهت هناك وفازوا بها.
فالاتحاديون، على الرغم من عددهم المتفوق وقوتهم الصناعية/عسكرية آنذاك ما كانوا جاهزين للقتال بعد، بل ولم تكن لديهم قوات منظمة أمام واشنطن. كمثال آخر، لو قامت اليابان، بعد غزو ألمانيا للاتحاد السوڤيتي، بغزو سيبيريا من الطرف الآخر، لكانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت أيضًا ولسيطرت قوى المحور على العالم القديم. بدلاً من ذلك، شنّت اليابان غارات على جزر هاواي، وهي أسوأ خطوة عسكرية ممكنة لكل من اليابان ودول المحور. والأسوأ من ذلك، أنه من الصعب جدًا معرفة السبب وراء عدم وضوح القرارات الصحيحة في ذلك الوقت.
ولفهم الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الأخطاء علينا فهم أسبابهم التي دفعتهم لتلك القرارات. فقد كان من الصعب على هؤلاء القادة، نظرًا لمبادئهم ووجهات نظرهم، تجنّب مثل هذه الأخطاء بالذات. ومع ذلك، فإن الإدراك المتأخّر لا يرحم عندما يفضح حقيقة أن قادتهم أضاعوا فرصة واضحة لتحقيق نصر كامل، وفشلوا في استغلالها.
ونحن نعرف جانبنا، وأسبابه واضحة لنا. وللفوز بالحرب تحتاج إلى جيش، جنرال، وخطة محكمة. ترمپ مستعد دائمًا لخوض معركة، لكنه ليس مستعدًا أبدًا لخوض حرب كاملة؛ موظفو حزبه ليسوا جنودًا، بل أعضاء لوبي؛ وحتى أكبر مخططينا السياسيين لا يملك أي شيء يمكن أن نصفه بـ الخطة.
ببساطة لا يمكننا عبور الروبيكون والمسير حتى نصل إلى روما. فنحن لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون. ليس لدينا جيش ولا جنرال ولا حتى خريطة. بل ليست لدينا أي فكرة عن مكان روما. بينما نخدع ذواتنا بصفتنا خبراء تاريخيين، إلا أننا في الواقع مجرّد أطفال في السياسة – ولا أقصد السياسيين فحسب، بل الفلاسفة أيضًا.
بالصدفة سألت واحدًا من أفضل هؤلاء ”المثقفين“ ـ وهو كاثوليكي تقليدي وكاتب ومحرر محافظ بارز ـ عما سيفعله أي نظام جديد تمامًا. قال لي: “توفير الخير العام”. وافقت بالطبع. لكن ماذا يعني ذلك بالضبط؟
طلبت منه أن يدخل في التفاصيل أكثر متسائلًا كيف سيغيّر الحكومة والدول لو افترضنا أنه يملك السلطة المطلقة في كل مفصل من مفاصل الدولة؟
فاعترض بأدب، رافضًا فكرة المطلقة. فأجبته: ماذا لو بدأنا بـ ولاية ثم ولاية؟ هنا أيضًا لم تكن لديه إجابة جاهزة. حسنًا، ماذا عن السياسة الخارجية فقط؟
على العكس، فكل ما كان في جعبته هو قائمة من التعديلات وتصحيحات طفيفة للمسار السياسي. بالتأكيد، السياسة هي فن الممكن، ولكن هذا ليس هدفي من السؤال ولا الهدف وراء التغيير بسلطة مطلقة.
كيف يستحق مثل هذا الشخص الفوز؟ هو لا يملك أي فكرة عما سيعنيه الفوز من فرص خلّاقة. ولا أظنه مستعدًا حتى للفوز. فلم يعمل حتى على حل المشكلة – أو هو وجد الحل ولا يستطسع الاعتراف بذلك.. من يعلم..
نحن في العادة نتوقّع أن يكون الرجل المفكّر مهووسًا بحلمه؛ لكن يبدو أن هذا الرجل الفطن لم يفّكر حتى في تفاصيل حلمه. كما لو كان يقيّد نفسه ببعض المحرّمات حتى أثناء الحلم.
يا ترى، ما هي طبيعة الشخص الذي تجده ليس مستعدًا حتى للفوز؟
أراه مثل كلب يطارد سيارة. ماذا سيحدث لو لحق بها؟ لا شيء جيد على الإطلاق، لا له ولا لأيّ شخص آخر. كذلك لن يحدث أي شيء سيء، لا له ولا حتى للسيارة. فلماذا إذن يستحق أن يدعمه أي أحد؟
ما يمنع الجمهوريين من الحكم ليست بضعة أصوات من داخل المدينة خرج بها سحرة صناديق الاقتراع. فمعظم الأصوات من هذه المناطق هي مزوّرة بل وكانت دائمًا – فهي لا تعكس أي مشاركة حقيقية في أي حوار سياسي حقيقي. وقواعد اللعبة هي أنك بحاجة إلى مشاركة حقيقية كافية لتفوقهم عددا. إنها لعبة غريبة، لكنه هذا هو الواقع.
ونحن نعلم أن الديمقراطيون قد غيّروا من قواعد اللعبة قليلًا هذا العام. وهذا بالطبع ليس بالأمر الغريب وهم يملكون كل القوة الحقيقية على ارض الواقع، اليوم ودائمًا. نعم، في عام 2016 هزم الجمهوريون السحرة وربحوا كل السلطات. لكن هل حكموا بعد أن فازوا؟ هل امتلكوا السلطة وفرضوا القوّة؟
فلماذا إذن نعيد نفس الأشخاص مرة أخرى لمحاولة ثانية؟
قيل لي من قبل أشخاص شبه مقرّبين من داخل البيت الأبيض أن إدارة ترمپ، قبل حوالي عام من الآن، استوعبت أخيرًا أن الرئيس لا يستطيع فعل أي شيء على الإطلاق داخل البيت الأبيض إلا من خلال تعيين مؤيدين فعليين له، وبشكل أمثل أنصاره الفعليين الذين يعرفون شيئًا عن الحكومة الأمريكية ومؤسساتها.
الدرس الآخر الذي تعلّمه داخل البيت الأبيض هو أن هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم فعل أي شيء مؤثّر أيضًا، لأن ما يسمّى بـ “الموظفين” (الذين تكون مدة وظيفتهم في الواقع أكثر أمانًا من “رؤساء عملهم) يمكنهم دائمًا تخريب الخطط متى أرداوا ذلك.
ربما بحلول عام 2024، قد يكون ترمپ مستعدًا للتغريد عن كيف أن الشعب الأمريكي ليس لديه سلطة حقيقية على حكومته، بما أن المنتخبين لا يملكون سلطة حقيقية على حكومتهم.
هناك استثناءان: في حين أن السياسيين المناهضين للحكومة لا يمكنهم أبدًا إنجاز أي شيء في الميدان، إلا أنهم غالبًا ما يتمكّنون من تخريب كل شيء لو أرادوا ذلك. فمع أنهم غالبًا لا يحدثون أي تغيير ملموس، إلا أنهم يجيدون الوقوف في طريقه لو مر؛ بل وفي كثير من الأحيان منعه من الحدوث. ومع أن إدارة ترمپ استخدمت بعض هذه الاستثناءات؛ إلا أنها لم تكفي. فالله رب المعارك والانتخابات أيضًا..
ما يمنع الجمهوريين من الحكم هو أنهم لا يشعرون بحقهم في الحكم. والأسوأ من ذلك أنهم فعلًا على حق. فالحق في السلطة ينبعث فقط من القدرة على ممارسة السلطة باقتدار. ومن المؤسف أن الديموقراطيين ليس لديهم مثل هذا الحق أيضًا – بل يمكن القول أنهم أقل حقًا بكثير. لكن الديمقراطيين سيفوزون دائمًا وسيحكمون دائمًا، لأنهم يمثلون الطبقة الحاكمة – ويشعرون بحقهم في الحكم – ورأيهم حيال ذلك لن تغيره أي من نتائجهم السيئة.
هناك طريقة واحدة فقط لمنح أعداء السلطة الشعور بأن لدينا الحق في الحكم: وهي خلق القدرة على الحكم. وهم لا يحتاجون إلى تلك القدرة لكي يفوزوا؛ لكن نحن نحتاجها.
في الواقع، لا يمكن لأحد اليوم أن يتخيل مدى الشعبية التي يمكن أن تولّدها مثل هذه الكفاءة في التعامل مع السلطة، والثقة التي ستصاحبها. الفوز في الانتخابات بأي طريقة أخرى هو مضيعة للوقت في أحسن الأحوال. فالجمهور امرأة؛ والمرأة تجذبها الثقة.
بدلاً من ذلك: كما قال نيوتن إل. جينجريتش: “لديك مجموعة من الفاسدين الذين يزدرؤون الشعب الأمريكي بشكل مطلق، يعتقدون أننا ضعفاء وجبناء للغاية وغير مستعدين للدفاع عن أنفسنا، لدرجة أنهم يتجرّأون على سرقة الرئاسة”.
نيوتن على حق. ولكن كذلك هم مجموعة الفاسدين، للأسف.
الموقف الميداني
في النهاية، أنا سعيد بخسارة ترمپ، فهو كان أكثر من مجرد كاذب – لقد كان الكذبة نفسها. بمجرد قبوله الاحتيال بأنه كان مسؤولاً بالفعل عن الحكومة وبيده زمام السلطة، أصبح متواطئًا في عملية احتيال ضد أنصاره. فهم لم يتمكّنوا من فهم سبب عدم قيامه “بشيء” حيال هذا أو ذاك أو أي شيء آخر.
كان يمكن أن يخبرهم لماذا اختار الانصياع لتأثير من وعد بفضحهم. كان بإمكانه حتى العمل على تغيير ذلك. ترمپ أعُطي الاختيار بين التباهي والشعور بالأهمية، وبين إدراك وكشف حقيقة أنه ليس مهمًا ولا يملك زمام السلطة في البيت الأبيض. لكنه اختار الدرب الأول. وبالنظر إلى أنه فعل ذلك، فإن هزيمته على يد سحرة صناديق الاقتراع في الغرب الأوسط [ويسكونسون، ميشيگان، منيسوتا]، مع أنها ظلم قانوني بحقه – كانت عدالة إلهية.
مع ذلك، فإن ما أنجزه كان أكثر مما تخيّله هو نفسه. فهو لم يفعل شيئًا “لتجفيف المستنقع”. على العكس، فقد ملأه أكثر وتركه مغمورًا – مما جعله (أ) أكثر وضوحًا و (ب) مهيئًا للجفاف بشكل رهيب.
وسيصاب المتسارعيون الذين صوّتوا لـ ”جو الصيني“ بخيبة أمل كبيرة. فلا شيء سوف يتسارع نحو الانهيار.
بمجرد انتهاء إدارة ترامب، لن يخاف أي أحد أو يكره أي شيء بعد الآن. فلا يوجد تهديد يمكن أن يكون مثيرًا مثل ”المغتصب العنصري في البيت الأبيض“. ولن تشعر أي ربّة بيت من ماليبو [Malibu] مرة أخرى وكأنها ضمن المقاومة الفرنسية.
حتى بعد فترة منع الكحول في القرن الماضي ظل بإمكان مصانع الجعة بيع البيرة غير الكحولية في السوق. ولك أن تتخيّل شكل الصحافة بعد عهد ترمپ.
لماذا كنت مؤيدًا لبايدن؟ ببساطة لأنني كنت أتوق لرؤية أعدائي وهم يلقون مصيرهم في البرد ورياح الفقر واليأس الباردة.
ولماذا كنت أنت مؤيدًا لترمپ؟ لأنك تحب رؤية أعدائك يسمنون ويضخمون كالبعران؟ على عكسك، أنا أحب الفوز وأكره أن ينال مني أحد. ماذا عنك، يا صديقي المخلص للرسالة؟
بحلول مارس أو أبريل، ستشعر الطبقة السائدة في أمريكا مثل شعور هانتر بايدن في صباح يوم الثلاثاء. هنتر وهو يتأمّل ـ يعلم أنه ترك غليونه في مكان ما، لكنه لا يعرف أين بالضبط. ما يعرفه هو أن هذا العالم، والذي كان قبل أيام يشتعل وسط أضواء نيران قوس قزح بشعاع مئات النجوم وهي تنفجر في نشوة سوبر نوڤا ذرّيّة بينما تتصادم المجرّات، يصحى ويعي أنه مكان قبيح وممل جدًا. نتوء ظاهر وسط بحر. تكدّس للأبخرة الكريهة والضارة … كذلك، شيء لزج عالق في طيزه. سيلمسه بعد لحظات … أوه مان…
لأربع سنوات، ظل النظام عالقًا مع عارضة أزياء تجمع بين كاريزما ليونيد بريجنيف ونزاهة ويلي براون. ”جو الصيني“ لا يصغر في السن، ودوائر عقله تقاوم بكل طاقتها كل توهج شمسي في نهار أيامه. مع أنه جلب من يخلفه كاحتياط. واحدة تتمتع بكارزما ليندا بلير وكانت ذات يوم تحت حماية ويلي براون [من الديمقراط]. هل من المفترض أن يهدينا الله من هو أفضل؟
المشهد الاستراتيجي الجديد
معالم الإدارة الجديدة ظهرت قبل الانتخابات بقبضة حديدية على الإنترنت قبل أن تستحوذ على نتائجها. والآن بدأت قوائم الأعداء تطول وتطول. ذُق قوة الظلام! [بصوت دارث ڤايدر].
وأجد بعض أعز أصدقائي خائفون جدًا، مع أنه لا داعي لذلك.
نعم، القبضة الحديدية للثورة مروعة. لكن الثورة لا تقتصر على سحق البيروقراطيين الفاسدين فحسب، بل تستنزف طاقة وشغف.
أولئك الذين يراهنون على هذا الشغف سيكتشفون قريبًا أنه لن يحدث تأثيرًا كبيرًا عندما يضغطون على دواسة الوقود، بل وسيجدون أن محطة الوقود التالية تبعد عنهم أربع سنوات من الآن.
قد تغضب بعض الأطراف المتحمّسة من البيروقراطيين الفاسدين وجموع الديمقراط. لكن كل حماسهم ومحاولاتهم الانتقامية لن تؤدّي إلى تشييد معسكرات گولاگ أمريكية.
وفي الوقت نفسه، تجد أمريكا ترمپ في استراحة سريرية مع ناسور خلفي خيالي! فهؤلاء السذّج ظنوا فعلًا أنهم كانوا يلعبون لعبة بقواعد. وحتى حلول فصل الربيع، ستذكرهم كل مسحة في طيزهم ماذا تعنيه جملة ”ولاية حمراء“. ومن دون تمني الألم لأي شخص، فإن للألم هدف. فالألم هو تحذير الجسم للدماغ بخطر لم يتم تجنّبه. «قَدْ مَضَى ٱلْحَصَادُ وَٱنْتَهَى ٱلصَّيْفُ، وَنَحْنُ لَمْ نُخَلَّصْ!». ارميا ٨ ـ ٢٠
وبالفعل، فإن مستقبلهم ومستقبل نسلهم ليس مرتبطًا كما يعتقدون بحكم القانون الديمقراطي، بل بنظام أوليگارشي لا يرحم وطبقة حاكمة منحطّة أخلاقيًا وتكرههم بشكل لا يطاق، ومستعدة للتضحية بمصالحها الخاصة مقابل أي ضربة سادية سريعة في حقهم وهي مرتدية لباس العدالة. وأي شخص رهن مثل هذا الوضع الرهيب الخاضع، يجب أن يستوعب أن مواجهته هو أمر ضروري ومصيري، وأن التخدير هو بمثابة سم، بينما الألم بمثابة هبة ونعمة من الإله.
ومع ذلك، فإن ما يميز هذا الموقف هو أن أمريكا الجمهوريون Red America لديها مشكلة طويلة الأمد، وليست مشكلة قصيرة المدى كما قد يظن البعض. نعم، هناك بعض الوقت المحدود لتصحيح الأمر. فمن الناحية الديموغرافية، سيكون من الأصعب تكرار نتائج 2016 في انتخابات 2024. من يعلم، ربما يكون هناك نوعًا من قانون مور يحجّم ”تكنولوجيا الاقتراع“. لكن الأصعب على الإطلاق من بين كل ذلك هو تصحيح الخطأ هذه المرة. فأربع سنوات قد لا تكون كافية لوضع خطة مناسبة ومحكمة.
بينما ورغم ميولها الانتحارية، لا تعاني أمريكا الزرقاء من أي مشكلة طويلة الأمد. نعم، لديها مشكلة على المدى القصير. فمنتجها فاشل وعقيم. منتجها، بغضّ النظر عن ”جو الصيني نفسه“، هو منتج متعجرف ومغرور بشكل خالص. وإلقاء نظرة على ”تجمّعات مناصريه“ في سياراتهم كافية لأن تثبت لك أن منتوجهم لن تأكله حتى الكلاب. وهذا قبل أن يُنتخب! فحيوية وطراوة رسالته الانتخابية انتهت قبل 50 عامًا..
أما الناس فكالعادة سيشترون هذا المنتج الباهت، ببساطة لأنه يسوّق بقوة. خصوصًا ومنذ عام 2016 أصبح من السهل مناقضة العجرفة المغرورة [منتج الديمقراط] بترمپ وتسويقه على أنه مياه مقدّسة. لكن الأمر الآن لم يعد كذلك.
فالمنتج نفسه لا يحتاج إلى البيع، لكن بائعيه يحتاجون فعلًا إلى بيعه. لذا، فإن رئاسة جو الصيني ستكون بمثابة الجحيم على تجارة الصحافة، والتي إما ستخوى أو تنتهي بإلهاء صحفيها بقضاء وقتهم في احتساء بيرة O’Doul الخالية من الكحول 😉
ومع ذلك، فإن قصة Red America أصبحت أبسط وأسهل للتسويق للجمهور. فهويّتا المستضعف والمتجبّر، تشابكتا من جديد وبشكل عجيب على مدى أربع سنوات بفضل ثورة ترمپ المجهضة، الهزلية والفاشلة، وتم تقويمها مرة أخرى لتبلغ وضوحًا لم تشهده من قبل.
فالطبيعة شفاء؛ وها قد عادوا النبلاء إلى السلطة والفلاحون إلى حقولهم، يدقّون سيوفهم بشفرات المحراث، بينما يمرّ عليهم أحد المفتشين كل شهر للتحقق من وجود محاريث غير آمنة ومشحوذة بشكل خطير …
لعل إحدى الحقائق غير الملحوظة حول الجيل Z، وإلى حد ما الجيل Y، هي أنهم نشأوا على الخيال البائس؛ حيث أصبحت أساليب الدولة الأورويلية الآن مادة كليشيه. بل حتى أن هذه الاستعارات استُخدمت ضد ترمپ، رغم أنها لا تطابق حكمه إطلاقًا. لكن من الآن فصاعدًا وحتى النهاية، ستطابق هذه الاستعارات الواقع كما تطابق القفّازات اليدين. ”لا تقاطع عدوك أبدًا“، كما قال نابليون، ”بينما هو يرتكب خطأ ما“.
ملحق: بعض النقد البناء
مع أنني أكره إبداء اقتراحات حول السياسة العامة. لكن لهجة هذا المنشور، رغم أنها متفائلة، تتسم ببعض اللئم، لدرجة تضطرني لتقديم اقتراحًا إيجابيًا واحدًا على الأقل يمكن أن يترجم لواقع ملموس. وهنا أذكّر مجددًا، إذا كنت قلقًا بشأن اتباع هذا الاقتراح فعليًا، فلا داعي لذلك.
إذا كان أي شخص في إدارة ترامب يقرأ هذه السطور، فهناك شيء واحد مفيد يمكنك فعله الآن. الرئيس لديه تحديدًا سلطة أحادية الجانب مازالت تشكل خطرًا على النظام: سلطة رفع السرية ونشر الملفّات. يمكن إبطاء هذه السلطة وتحجيمها من خلال العملية البيروقراطية، وهو ما حدث عندما حاول استخدامها بشكل طبيعي في آخر ٣ سنوات. بدلاً من ذلك، يمكن للرئيس أن يأمر مشاة البحرية الأمريكية بمصادرة الوثائق ونشرها.
ما هي الوثائق؟
جميع الوثائق – وليس فقط تلك المتعلّقة بصراعاته الشخصية (على الرغم من أهميتها بالتأكيد).
فباستثناء خطط وصفقات الأسلحة، ليس لدى أمريكا أسرارًا كارثية. لكن واشنطن لديها الكثير من الأسرار الحقيقية التي يمكن أن تؤذي النظام فعلًا. وحتى ولو استمر الرئيس كـ “بطة عرجاء” يبقى يحتفظ بكل حق قانوني لنشر كل ملف دون استطالة بيروقراطية أو تأخير.
فعلى سبيل المثال لن يلحق أي ضرر كبير بأمريكا من خلال نشر جميع الوثائق المتعلّقة بالاتصالات السلكية الخاصة بوزارة الخارجية. بل وحتى الأرشيف كله. والكثير من الأذى سوف يلحق بوزارة الخارجية فقط. لكن بشكل عام لا يوجد ملف واحد في وكالة المخابرات المركزية [CIA] من شأنه أن يضر بأمريكا لو نشر. لكن هناك الكثير من الملّفات – بعضها قديم – من شأنها أن تضر حكومتنا بشكل عميق لو نشرت.
أما بالنسبة للأفراد الواردة أسماؤهم في الوثائق، فهل لدى أعداء الشعب هؤلاء حساسية من القوة المدمّرة للشخصيات؟ الأمر سيء أجل، أنا أعرف ذلك،
لكن في نفس الوقت لم يضطر أحد منهم إلى الانخراط في ”عالم الاستخبارات“. والوقت، للأسف، قصير. والأعذار، بصراحة، تزعج وتحبط.
(وأنت تقوم بذلك، سيدي الرئيس، أعد القوات إلى الوطن – ليس فقط من سوريا وأفغانستان، بل أيضًا من ألمانيا واليابان. اترك خليفتك بأحذية أمريكية على الأراضي الأمريكية فقط. قد يغزو ”جو الصيني“ العالم مرة أخرى؛ ولكن هل سيفعل ذلك حقًا؟
الآن، تخيل لو كنت قد خضت السنوات الأربع الماضية بهذه الروح).
***