مراجعة كتاب تاريخ قصير للبشر الجزء الأول

كتبها : أحمد حمندي

يعد هانز هيرمان هوبه من أبرز الباحثين الليبرتاريين اليمينيين paleo-libertarians في هذا العصر ، حصل على الاستاذية في الاجتماع و الإقتصاد من جامعة ( غوته) ، وله مسيرة اكاديمية باهرة .

يقول هوبه عن كتابه تاريخ قصير للبشر :

ان ما يميز دراساتي هو أنها تفسر وتؤول تاريخ البشر من المنظور الفكري لليبرتارية النمساوية : مع خلفية معرفية في التصرفية ( الاقتصاد ) والليبرتارية ( الأخلاق ) .

يكشف هانز هيرمان هوبه في هذا الكتاب كيف يمكن لدروس الاقتصاد النمساوي ان تستخدم لمساعدتنا على فهم التاريخ .

و كما يقول ليولين روكيل “يمثل هذا العمل مقدمة مثالية لأفكار مفكر اجتماعي عظيم و ليبرتاري رائد . “

عند قراءة هذا الكتاب تشعر أن المؤلف يمسك كاميرا فيديو و يسجل من خلالها التاريخ البشري قبل 50 الف سنة ، ثم يُجزئها إلى ثلاث مراحل :

اولًا : كيف نشأت العائلة و الملكية الخاصة ؟

يجد هوبة ان انسب بداية لقراءة التاريخ البشري قبل حوالي 50 الف سنة حيث تطور فيها الانسان الحديث سلوكيا.

تتضمن هذه الفترة وجود (الصيادين و الجامعين) و لعل أهم ما يميزها كنقطة بداية الدراسة تاريخ الانسان هو إستخدام أدوات متقدمة في الصيد ( كالسهام، النصال، السكاكين ..) بالإضافة إلى صنع القوارب و الادوات الموسيقية من عظام الطيور .

و أبرز ما حدث فيها هي تغيرات جينية قادت إلى ظهور اللغة ؛ إذ يمكن للانسان التواصل و اكتساب المعرفة .

يقول هوبة بهذا الصدد

” و لكن حياة الجامعين – الصائدين واجهت تحديا أساسيا دون حل جوهري . فقد عاشوا حياة طفيلية في جوهرها : أي أنهم لم يضيفوا أي شيء إلى موارد السلع التي توفرها الطبيعة ، ولم يؤد ذلك إلا لاستنفادها . ولم ينتجوا ( غير أدوات قليلة ) بل استهلكوا فحسب ، ولم ينموا أو يربوا بل انتظروا من الطبيعة أن تولد وتجدد . وفي أفضل الأحوال ، فإن إنجازهم تمثل بعدم الإفراط في الصيد أو الجمع بحيث لم تمر عملية التجدد الطبيعية بما يقلقها أو يدفعها للتوقف ” ¹

و بسب تزايد حجم السكان فقد قامت مجتمعات الصيد بقتل الأطفال و حرّضت على إجهاض النساء

“فقد ظهرت خیارات ثلاثة فقط للتعامل مع التعداد « الفائض » المستمر بالتزاید . فيمكن للمرء أن يقاتل على مصادر الغذاء المحدودة ، ويمكن أن يهاجر ، ويمكن أن يخترع ويتبنى نمطا جديدا ومتقدما تقنيا للتنظيم الاجتماعي ، يسمح لحجم أكبر من السكان بالبقاء على نفس البقعة ” ²

و بسب سهولة الصيد نتيحة لإختراع أدوات متقدمة كما تم ذكرها آنفًا ؛ أدى ذلك إلى زيادة الموارد ( اللحوم) لكن الطبيعة الاستهلاكية لمجتمع الصيادين كانت ستقضي على المعدل الطبيعي للحيوانات و قد تصل لإنقراضها حتى و إن لم تحدث زيادة في حجم السكان .

و هذا ما يعبر عنه هوبة [ بالمشكلة المالتوسية] .

نتيجة لذلك حدث تحول من نمط حياة طفيلي إلى نمط حياة منتج عبْرَ ما يسمى [ بالثورة النيوليثية ] التي تعتبر أعظم حدث في التاريخ .

و يعني بها التحول من إنتاج الطعام بواسطة الصيد إلى انتاجه عبر تنشئة النباتات و تربية الحيوانات.

بدأت الثورة النيوليثية في منطقة [ الهلال-الخصيب] قبل 11 الف سنة.

” أن الأرض كانت تعد ملكية خاصة في مجتمعات الصيد والجمع . ولكن هل كانت ملكية جماعية ؟ هكذا كان الافتراض عادة في هذه المسألة ، بنحو يصل للبداهة . ولكن السؤال في الواقع أشد تعقيدا ، لأن هناك بديلا ثالثا : أن هذه الأرض لم تكن ملكية خاصة أو جماعية ، بل مثلت جزءا من البيئة أو بنحو أخص الظروف العامة للفعل ، أو ما يسمى أيضا « الملكية المشاع أو بإيجاز المشاعات » ” ³

يعطي هوبة مثالا يوضح كيف تحولت [ الملكية الجماعية] إلى [ ملكية فردية ]

“من المؤكد أن الأعناب المقتطفة من شجيرة تعد ملكية ، ولكن ماذا عن الشجيرة المرتبطة سببيا بالأعناب الملتقطة ؟ ….. أي ما أن تدخل الإنسان بنحو هادف في العملية السببية الطبيعية التي تربط الشجيرة بالأعناب ، عبر سقيها أو تقليم أغصانها كي تنتج حصيلة معينة كإنتاج للأعناب يتجاوز المستوى الذي كان يتوفر طبيعيا . كما أن الشجيرة ما أن أصبحت ملكية عبر تهذيبها أو العناية بها ” ⁴

” بناء على اعتباراتنا السابقة ، يجب أن يعد القطيع طبيعة غير ممتلكة ما دام الإنسان لم يقم بأي شيء يمكن أن يفسر ( وكان يقصده في فكره ) بنحو مرتبط سببيا مع إشباع حاجة معينة . ولم يصبح القطيع ملكية إلا حين شروط التدخل في السلسلة الطبيعية للأحداث لإنتاج نتيجة مرغوبة ما . هكذا كان الموقف مثلا ما أن بدأ الإنسان في رعي الحيوانات ، أي في التحكم فعلا بحركة القطيع . فالراعي عندئذ لم يملك القطيع فحسب ، بل وأصبح مالكا لكل النتاج المستقبلي الذي يتولد طبيعيا عن هذا القطيع ” ⁵

يجيب هوبة على السؤال الأهم متى أصبحت الأرض ملكية ؟

” ولم تصبح الأرض ملكية إلا حين تخلى الرعاة عن الرعي واتجهوا إلى تربية الحيوانات بدلا منها ، أي ما أن أصبحوا يعاملون الأرض كمورد ( نادر ) كي يتحكموا بحركة التحكم بالأرض . ولم يحدث ذلك إلا حين أصبحت الأرض محددة بنحو ما ، عبر تسييجها أو بناء عقبات أخرى ( كالخنادق ) تقيد من الحركة الحرة والطبيعية للحيوانات . وبدلا من كونها مجرد عامل مساهم في إنتاج قطعان الحيوانات ، فقد أصبحت الأرض بهذا عاملا إنتاجيا أصيلا ” ⁶

ان ما جعل تلك الفترة حدث مهما في التاريخ الانسان هي درجة الذكاء التي ساعدت على فكرة زرع المحاصيل و تجميعها مثل ( الحنطة ، الشعير، الزيتون..) بدلا من استهلاكها فقط .

و الأصعب هو رعاية و استيلاد و ترويض الحيوانات مثل ( الحصان ، الكلب ، الاغنام، الخنزير، الابقار ، الماعز ..)

لكن مع كل هذا لم تحل سوى نصف المشكلة لأن الأرض باتت تُستغل بشكل أفضل مما أدى إلى زيادة حجم السكان . و تطلب ذلك حلا آخر للسيطرة على هذا التزايد من خلال مؤسسة إجتماعية عُرفت [ بالعائلة] .

كيف نشأت العائلة ؟

“كان قد سبق مؤسسة العائلة هو الجماع الجنسي الغير مقيد ( الزواج الجماعي ) و يعني كل امرأة كانت تعد شريكا جنسيا محتملا لكل رجل و العكس بالعكس و يعبّر الاشتراكيون عن تلك الفترة [ بالحب الحر ] بل و يمجدوها .. يعلق هوبة في هذا النحو “فإن للحب الحر عواقب ، ألا وهي الحمل والولادة ، وأن للولادة منافع وتكاليف أيضا . وليس ذلك مهما ما دامت المنافع تجاوز التكاليف ، أي ما دام الفرد الإضافي في المجتمع يأتي إليه كمنتج للسلع بأكثر مما يأخذ منه كمستهلك – وقد يكون الحال كذلك لبعض الوقت . لكن قانون العائدات يدلنا على أن هذا الموقف لا يمكن أن يستمر للأبد و بدون قيود . فمن المحتوم أن نصل للنقطة التي تتجاوز فيها تكاليف الذرية الإضافية منافعها . وعندئذ يجب أن يتوقف أي إنجاب لاحق – ويمارس التقييد الأخلاقي – ما لم يرغب المرء في تجربة انخفاض مستمر في مستوى المعيشة المتوسط ” ⁷

و لا اجد ابلغ من تعبير توماس مالتوس في تأسيس الأسرة

” إن أشد القيود طبيعية ووضوحا على السكان تمثل في جعل كل رجل ينفق على أولاده ؛ وسيعمل ذلك بنحو ما كدليل ومعیار لزيادة السكان ، بحيث يتوقع ألا يأتي رجل إلى العالم بكائنات لا يملك لها أي وسيلة للعيش ، ولو حصل ذلك فمن الضروري ، کي يتعظ الآخرون ، أن يكال الخزي والضيق الحقيقان بسلوك كهذا على من يلقي دون حذر بنفسه وبأطفال أبرياء في قاع البؤس والفاقة . – إن مؤسسة الزواج ، أو على الأقل شيء من الالتزام الصريح أو الضمني لكل رجل بإعالة أطفاله ، يبدو أنها التيجة الطبيعية لهذه المداولات في مجتمع يعاني من الصعوبات التي وصفناها “

و بشكل ادق ، يقول هوبه ” ومع تشكل الأسر حصل تفكك للعائلة الواحدة إلى عدة عوائل مستقلة ، وبالتالي تشكل ملكية « متعددة » – أي خاصة – للأرض “

________________________

¹/ ص 32

² /ص 33

³/ ص 55

⁴ /ص 57

⁵/ ص 58

⁶/ ص 69

⁷ /ص 70

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s